Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

أهمية الحوار.. في تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية

A A
يعاني مجتمعنا -كغيره من المجتمعات- من ظاهرة العنف الأسري بكل أنواعه، وإدمان البعض للمخدرات والمسكرات، ونتيجة العنف الممارس ضد الأولاد ظهرت مشكلة هروب الفتيان والفتيات وانتحارهم، أو محاولة انتحارهم، كما أصبح من أبناء هذا الوطن متشددون يُكفِّرون المجتمع، وهؤلاء تتلقفهم المنظمات الإرهابية، إضافة إلى فقدان بعض شبابنا هويتهم العربية والإسلامية، فالعولمة استطاعت أن تجذبهم إلى الآخر إلى درجة الذوبان، كل هذا يعطينا مؤشرًا خطيرًا؛ لذا كان من أهم أهداف رؤية 2030 تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية.

ومن أهم وسائل تعزيز هذه القيم، الحوار داخل بيوتنا، وفي مدارسنا وجامعاتنا؛ إذ لا يمكن تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية في عقول أبنائنا ونفوسهم دون فتح باب الحوار معهم.

والملاحظ غياب الحوار داخل بيوتنا، وذلك لعدم تنشئتنا لأولادنا على ممارسته، وبعضنا لم يربوا التربية الروحية والنفسية في أولادهم التي تُشكِّل الحوار القائم على الإقناع والاحترام أهم أسسها، بل منَّا مَن تربَّى بصيغة الأمر والنهي، والضرب والتخويف، وتحريم النقاش والحوار؛ لذا كان حوار الآباء مع الأبناء من أهم أسس التربية السليمة، فبالحوار يكتسب الطفل لغته، وهويته، وتتكون عقيدته وشخصيته، من هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: «ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسَّانه».

وفي ثنايا الحوار فوائد جمّة تعود على المتحاورين بالنفع كونها تسعى إلى نمو شامل، وتنهج نهجًا دينيًا ينشده كثير من الناس، والقرآن الكريم أولى الحوار أهمية بالغة في مواقف الدعوة والتربية، وجعله الإطار الفني لتوجيه الناس وإرشادهم؛ لذا يعد الحوار بين الآباء والأبناء ضرورة هامة.. والحوار من وسائل الدعوة إلى الدين: (ادْعُ إلى سبيلِ رَبَّك بالحِكْمَةِ والموْعِظَةِ الحسَنَةِ وجَادِلُهْم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وقد وردت مادة حوار في القرآن الكريم في مواضع عدة منها: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكِ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرِكُمَا إنَّ اللهََ سميعٌ بَصِيرٌ).. والحوار والجدال ذو دلالة واحدة، وقد اجتمع اللفظان في هذه الآية، ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: مناقشة بين طرفين أو أطراف، يُقصد بها تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، وردُّ الفاسد من القول والرأي.

والقرآن الكريم مليء بالحوارات، وكان أول حوار؛ بين الله تعالى وملائكته في شأن خلق آدم، فجاءت المحاورة بصيغة قال.. وقالوا.. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

ثُمَّ كان الحوار الثاني بين الله تعالى وإبليس، وتنقل لنا آيات القرآن صورًا عدة لهذا الحوار، ثُمّ كان الحوار الثالث بين الله تعالى ورسله وأنبيائه، ثمّ نداء الله تعالى للآباء على لسان إبراهيم عليه السلام: (إذ قالَ لأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مّا لا يَسْمَعُ وّلاّ يُبْصٍرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شيئًا)، وكذلك نداء الله عزَّ وجل للأبناء على لسان لقمان الحكيم: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْركْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلُمٌ عَظِيمٌ).

والحوار بين هؤلاء الرسل والأنبياء وبين قومهم وأهلهم، كلها حوارات غنية بالقِيَم والمعاني.. ويمكن إجمال القول: أنَّ هذه الحوارات تحمل في مضامينها المعاني الآتية: (أنّ الاختلاف سنة إلهية (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ)).. (والحوار رحمة للناس: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضُهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدتِ الأرضُ وَلِكنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلى العَالَمِين)).. (وهو ركن المعرفة: (يا أَيُّها النَّاس إنَّا خلقنَاكُم مِنْ ذّكرٍ وأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتقَاكُمْ)).. وأنَّ الفطرة هي قبول الآخر والحوار معه (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ في الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا).

إنَّ من مستلزمات الحوار، الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالصبر والحق (والعصْرِ إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوُا وَعَمِلُوُا الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحقَّ وَتَواَصَوْا باِلصّبْر).. إذًا الحوار هو جوهر ولب الرسالات السماوية والفطرة الإنسانية، وهو طريق الرشد والرشاد في الدنيا والآخرة.

هذا، وتعد الأسرة والمدرسة والجامعة من أهم مؤسسات المجتمع التي يقع على عاتقها غرس القيم الإسلامية، والهوية الوطنية في عقول ونفوس وقلوب الناشئة، باتباع أسس وقواعد التربية الإسلامية وتدعيم الشعور بالوطنية، وتنمية مهارات اتخاذ القرار والحوار لدى الأفراد، وتعريفهم على وطنهم، والترکيز على القيم المختلفة، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم کمواطنين، وتنمية روح الاعتزاز بالوطن والعروبة والإسلام، وتعزيز روح المساهمة الإيجابية في الحياة العامة، وبالتالي فإنّ الرؤية تسعى للمحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها، ونقلها للأجيال القادمة، بغرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية، فيشعر الفرد بالانتماء لوطنه، ويسهم في تقدمه، مع الحفاظ على أمنه واستقراره، وحمايته من المتربصين به.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store