Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

الحديث الإيجابي للآباء.. وأثره على بناء شخصية الأبناء

A A
ممّا لاشك فيه أنَّ الإنسان الذي ينشأ على حوار متفهم وبنّاء، سينشأ إنسانًا سويًا مؤمنًا إيمانًا قويًا بخالقه، لا تُزعزعه أعاصير وتيارات فكرية تُؤثِّر على عقيدته، فتراه يتمتع بخلقٍ قويم، مُحب لدينه ووطنه وقيادته، متعايش مع نفسه، راضٍ بما وهبه الله من قدرات وكفاءات، ويعمل على تنميتها واستثمارها للخير، محب لمن يعيشون حوله حتى لو كانوا مخالفين له في الدين، أو المذهب، ففي الحوار البنَّاء ترويض للنفس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين، وتتجلّى أهميته في دعم النمو النفسي من مشاعر الكبت، وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية، وتعزيز الثقة بالنفس.

يقول والد معالي وزير الصحة الأسبق الدكتور عبدالله الربيعة عندما أصبح وزيرًا: «توقعت من عبدالله ذلك، فمنذ صغره كنتُ أُطلق عليه دائمًا اسم الدكتور، ولكنه حقق ما كنت أتمنى وأكثر من حدود طموحي».

عندما جُرِح معالي وزير الصحة الأسبق الدكتور عبدالله الربيعة في رأسه، وهو صغير، وكان الجرح يتطلب عمل عدة غرز في الرأس ليلتئم، وصحبه والده إلى إحدى مستشفيات الرياض، وعُملت له الغُرز بدون مخدر؛ إذ لم يكن وقتها متوفرًا في المستشفى، وكان عبدالله الصغير؛ يصرخ من الألم، فكان والده يقول له: «بكرة لما تصير دكتور سوف تكون أحسن منهم كلهم».

هذه العبارات من الأب كانت دافعًا قويًا للابن التي منحته الثقة والإيمان بنفسه، فاجتهد من أجل أن يصبح طبيبًا ناجحًا، فأصبح وزيرًا للصحة، وطبيبًا عالميًا متميزًا، بل وفريدًا في فصل التوائم.

إنَّ كل عبارة تُقال للطفل تحمل في طياتها رسالة ضمنية موجهة له بخصوص علاقته بهذا العالم، فعندما يدمج الطفل هذه الرسالة مع ذاته، فسرعان ما تصبح اعتقادًا يحكم تجربته المستقبلية، حتى إذا لم يكن واعيًا لهذا الاعتقاد، فإنَّه سيؤثر على شتى أوجه حياته.

وللأسف فإنَّ الأطفال ليست لديهم القدرة على تنقية ما يدخل جهازهم العقلي، فإنَّهم لا يستطيعون قول: «أنا أقبل هذا الإطراء، ولكني أرفض ذلك النقد، فالطفل يرى والديه على أنّهما كائنات عالمة بكل الأمور، وتعتبر كلماتهما أحكامًا نافذة، وفيما يستطيع الطفل النظر إلى الوراء، وتعديل اعتقاداته السابقة، إلاّ أنَّه يظل بصفة مبدئية مأسورًا بما سمعه ممن تولوا تربيته.

في الولايات المتحدة يتذكر الكثير من السجناء أنَّ من أوَّل ما سمعوه من آبائهم كان: «في أحد الأيام سينتهي بكم المطاف إلى السجن».

إذا كانت الكلمات بإمكانها أن تُمزِّق وتُدمِّر، فهي تستطيع أن تبني وتُشجِّع، فبدلًا من أن نقول: «سينتهي بك الحال إلى السجن»، ماذا لو أنَّ أولئك السجناء قد سمعوا -وهم أطفالًا- عبارات مثل: «إنَّني فخور بك»، أو «أنت فائز دائمًا»، أو «أنت طفل لامع»، ممَّا لاشك فيه أنَّ حياتهم كانت ستأخذ منحنى مختلفًا.

يُعتبر بعض الأطفال محظوظين بما فيه الكفاية، إذا كان من يتولون تربيتهم يقومون بمنحهم العبارات التعزيزية والتشجيعية.. فعلى سبيل المثال: ذكر أحد المقاولين الناجحين أنَّ أمه قد جلست بجانبه في وقت النوم عندما كان عمره أربع سنوات، وهمست في أذنه قائلة: تستطيع فعل أي شيء تريده، ليست هناك حدود لما تستطيع تحقيقه، فأصبح في داخل هذا الطفل اعتقاد إيجابي يردده: «أستطيع أن أسعى وراء ما أريده وأحصل عليه»، فكان الأثر المدعم والمعزز لحياته، وهذه بعض نماذج التعزيز: (أنت تعرف ما يشعرك بالرضا).. (بإمكانك أن تطلب ما تريده).. (إنَّني أحب فضولك، وأحب استطلاعك للعالم).

هناك أسباب عديدة وراء عدم استخدام الأولاد أسلوبًا صحيًا للتعبير عن الغضب، فيتحول إلى سلوك عدواني داخل المنزل أولًا بين الإخوة، فيقوم أحد الأولاد الأكبر سنًا أو حجمًا بمضايقة أخيه، أو أخته الصغيرة، وإن كان لا يوجد مَن يُقوِّض مثل هذا السلوك، فقد يصبح الأولاد عدوانيين مع الأقران والملكية في المدرسة، ثم في المجتمع ككل.. وتتمثل القواعد الأساسية الثلاث للتعبير الصحي عن الغضب التي ينبغي على الآباء تربية أولادهم عليها في: (عدم إيذاء نفسك.. عدم إيذاء الآخرين.. عدم تدمير الملكية).

لكن نادرًا ما يشجعهم أحد على استخدام الكلمات للتعبير عمّا يشعرون به، وللأسف فإنَّ قليلًا من الآباء يعرفون بالفعل ما هو التعبير الصحي عن الغضب.

إن الأم إذا استهلّت حوارها مع ابنتها بقولها: «لا أدري إذا كنتِ قد كبرتِ بما يكفي كي أناقش معكِ هذا الموضوع، ولكن...»، فهي بذلك نجحت في الاستحواذ على انتباه وتركيز ابنتها، كما على الأبويْن أن يعملا على غرس احترام الذات وتقديرها في أبنائهم، وإذا افتقر الآباء والأمهات إلى القدرة على بناء الثقة داخل أبنائهم، فهؤلاء الأبناء في خطر كبير منذ اللحظات الأولى لميلادهم.

يعاني الأفراد المصابون باختلال وظيفي دائمًا من ضآلة نظرتهم لأنفسهم، فيعيشون منعزلين في عالمهم، يسيطر عليهم الحزن والغضب، ويشعرون بغصة من إحساسهم بالضآلة، ويخافون من أن يتحوَّل إحساسهم هذا في النهاية إلى إحباطٍ وعداء، وبالتالي ثورة ضد السلطة والآباء والأمهات، وغيرهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store