Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

أسود وذئاب داخل أحيائنا السكنية!!

A A
بدهشة كبيرة ورعب شديد تابع السعوديون على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي نبأ العثور على 4 أسود نادرة في إحدى الاستراحات التي تقع وسط الرياض، وهي محبوسة داخل أقفاص حديدية غير آمنة، وقبل أن تنتهي دهشتهم؛ فوجئوا مرة أخرى بمشهد فيديو انتشر بسرعة شديدة وسط مستخدمي الوسائط الذكية، وهو يُصوِّر ذئباً ينقضُّ على شابٍ في استراحة أخرى، وكاد أن يفتك به لولا أن أصدقاؤه استطاعوا الوصول إليه في اللحظات الحاسمة، وخلَّصوه من أنياب ذلك الحيوان المتوحش بعد معركةٍ شرسة.

هذه المشاهد المتكررة تُوضِّح بجلاء أن بيننا من لا يزال يتعامل بمنتهى الاستهتار مع هذه القضايا، ويتمسَّك بانتهاك التعليمات والقوانين التي تمنع اقتناء هذه الحيوانات المفترسة خارج الأطر التنظيمية المعروفة، وهو ما يشير بوضوح إلى ضرورة تغليظ العقوبة على هؤلاء، حتى يكونوا عبرة لغيرهم ممَّن أدمنوا الاستهانة بأرواح الآمنين، الذين لا ذنب لهم في العيش وسط وحوش يمكن أن تُشكِّل خطورة بالغة على حياة أبنائهم في أي لحظة.

والمتابع للأخبار، لا شك يستذكر كيف أن سكان العاصمة الرياض ذُهلوا خلال شهر نوفمبر من العام الماضي؛ وهم يُشاهدون بأعينهم ثلاثة غزلان وهي تعدو وسط أحد الشوارع الرئيسة، كما انتابت آخرون حالة من الرعب والخوف عندما سمعوا زئير أسد ينطلق عند منتصف الليل من أحد المواقع داخل النطاق العمراني، فسارعوا بإبلاغ الأجهزة الأمنية التي أحاطت بالموقع، ووجدت ملك الغابة مربوطاً بسلسلة حديدية إلى عامود إضاءة وسط حي سكني.

بدءاً، يجب الإشارة إلى أن تلك الحيوانات غير الأليفة، بحكم الفطرة التي خلقها عليها الله سبحانه وتعالى، لها طبائع غير مستأنسة، وتنفر من التعامل المباشر مع الناس، وتميل إلى الابتعاد عنهم، كما أنها تعيش في مناطق خاصة بها، لتُمارس فيها طبائعها وخصائصها وعادتها التي خلقها عليها الله عز وجل.

حتى الحيونات المتوحشة التي توجد في الحدائق، أو نشاهدها في السيرك، فإن التعامل معها يحتاج إلى أشخاص مُدرَّبين، شريطة أن توجد في أماكن بمساحات مناسبة، وأن تكون هناك وسائل حماية وأمان عالية تضمن عدم قدرتها على الوصول للجمهور، وأن تتناول طعاماً معيناً بكمياتٍ محددة وفي أوقات معلومة، وهو ما لا يمكن توفيره داخل المنازل والاستراحات الخاصة، حتى وإن بذل أصحابها جهداً كبيراً.

ولأنها مخلوقات حية، فإنها بحكم الغريزة تحتاج إلى التكاثر والتناسل، ويحتاج الذكر منها للبقاء بجانب الأنثى، لذلك فإن من شأن الاحتفاظ بالذكر دون الأنثى أو العكس؛ أن يصيب الحيوان بعصبية بالغة، ويجعله يحيا في دائرة من التوتر والغضب، يمكن أن تنفجر في أي لحظة في وجه مَن يجده أمامه. كما أن ذلك التصرف يُهدِّد بانقراض تلك الحيوانات، وهو ما يمكن أن يتسبَّب في اختلال بيئي خطير.

ولا تقتصر المخاطر المترتبة على تربية هذه الحيوانات على مهاجمتها للبشر، بل إن هناك جانباً آخر قد يكون أشد خطورة من ذلك، وهو إمكانية نقلها للأمراض، لا سيما في هذا العصر الذي تزايدت فيه الأمراض المنقولة من الحيوانات للإنسان، فهي عندما تمرض؛ تحتاج إلى علاجٍ خاص من أطباء بيطريين مختصين، وهو ما قد لا يتوفر لمَن يقومون بتربيتها بعيداً عن الأعين، خوفاً من افتضاح أمرهم، وهو ما يرفع من احتمال جذب الحيوانات المريضة للطفيليات والحشرات والفيروسات التي ستُشكِّل خطراً داهماً على حياة البشر إذا تسللت إليهم.

وللتصدي لظاهرة وجود الحيوانات المفترسة في الأحياء السكنية، بادرت السلطات المختصة إلى تشديد العقوبات بحق المخالفين، حيث تنص المادة (48) من نظام البيئة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 165) بتاريخ 19/11/1441هـ، وقرار مجلس الوزراء رقم (729) بتاريخ 16/11/1441هـ إلى أن العقوبة تصل إلى 30 مليون ريال غرامة، إضافةً إلى السجن لفترة تصل إلى 10 سنوات. كما تم إعلان فترة سماح لكافة مَن يقتنون تلك الحيوانات؛ للمسارعة بتسليمها للجهات المختصة دون تعريضهم للمساءلة.

ولأن هناك من اعتاد على التجاوز والمخالفة وعدم احترام القوانين، فإن الواجب يفرض علينا جميعاً المسارعة بالتجاوب مع وزارة الداخلية، وبقية الأجهزة القانونية، والإبلاغ عن وجود أي نوع من تلك الحيوانات داخل الاستراحات أو المنازل، حفاظاً على سلامة المواطنين، لأن حياتنا وصحة أبنائنا وعائلاتنا أكثر أهمية من التضحية بها بسبب أولئك المغامرين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store