Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

فلافــــــل

A A
في الحجاز اسمها «مقلية».. وفي مصر والسودان الشقيقتان اسمها «طعمية».. وأما في بلاد الشام الشقيقة فاسمها «فلافل»، وهي من ألذ الأكلات الصحية التاريخية.. مكوناتها الأساسية بسيطة، ومغذية، واقتصادية: حمص في بلاد الشام أو فول في مصر والسودان، وبقدونس، وبصل، وكزبرة، وطحينة، وزيت زيتون، وسمسم، وكمون، وملح، وليمون.. تُشكَّل لتصبح كروية، ثم يتم وضعها في الزيت الساخن جداً، فتطفو على سطح الزيت فيتغيَّر لونها من الأخضر إلى الذهبي أو البني الجميل.. وهي من الأكلات الشعبية الرائعة التي تعكس أوجه حضارية مهمة لمنطقة الشرق الأوسط. ويعود تاريخها إلى أكثر من ألفي سنة إلى مصر الغالية بدون أي منازع. وسواء كانت مصنوعة من الفول أو الحمص، فهي من المكوّنات الحضارية الرائعة لمجتمعاتنا العربية. فضلاً لاحظ أن أحد أهم مكونات الحضارة هو الغذاء، فهو يعكس موارد الأمم، وثراءها من المكونات الزراعية، وحنكة إدارتها للطاقة، وذكاءها وتدبيرها، والأهم من كل هذا نعم الله عليها. وللعلم فالأطباق التقليدية هي مجموعة حكايات غنية كل منها تُكمل المنظومة الحضارية. والعديد من الصراعات الكبرى عبر التاريخ كانت للحصول على تلك الموارد بشكل أو آخر.. سواء للاستيلاء على الأرض، أو المياه، أو التقنيات، أو العمالة لتأمين السلال الغذائية.. وهناك المزيد.. فالأطباق المحلية هي من أهم مكونات الهوية الحضارية للأمم، أو الدول، أو حتى للأقاليم بداخلها. والفلافل من مكونات تلك القصص، سواء كانت «مقلية»، أو «طعمية» أو «فلافل»، وسواء كانت مكوناتها الأساسية هي الفول أو الحمص.. واليوم نجد أنها تتعرَّض للسطو من خلال تقديمها، وكأنها من المكونات الأساسية للسفرة الإسرائيلية. ينعكس ذلك في انتشار مطاعم الفلافل، والمطاعم التي تُقدِّمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بطرق تُوحي بأنها من أكلاتهم الشعبية التاريخية. وربما كانت من مكونات تاريخهم، ولكن ذلك التاريخ كان مقروناً بالعرب من خلال ما وفَّروا من أساسيات التعايش السلمي، الذي كان من سمات تاريخ فلسطين، ومصر، والأندلس، والذي رحَّب وساهم في تطوير المكونات المختلفة للحضارة الإسلامية والعربية. إحدى أوجه هيمنة الاستعمار هي محاولات فصل المواطن عن الأرض من خلال العديد من الآليات، ومن يدرس التاريخ سيجد العديد من الأمثلة عبر الإمبراطوريات التي حكمت العالم، وقدمت الأطباق لمختلف شرائح المجتمع بصبغات مختلفة بعيدة عن الهوية الوطنية الأصلية.. ولاقت هذه المحاولات النجاح لعدة أسباب منها: تقنيات الميكنة سواء كانت في الزراعة نفسها، أو في التحضير، أو النقل والتخزين، أو في التسويق.. ونشهد الإرث التاريخي لهذه التحوُّلات الغذائية في العالم.. من الإمبراطورية الصينية، إلى البريطانية، والعثمانية.. وأما الاستحواذ غير المنطقي على هوية الفلافل العربية في فلسطين يُمثِّل محاولة سافرة.. فضلا لاحظ أنه يهدف لفصل المواطن عن التراث من خلال تشكيل ضبابية حول الهوية.. وهناك العديد من الأكلات الفلسطينية التقليدية الأخرى مثل المقلوبة، والمناقيش بالزيت والزعتر، والكنافة التي لم يأتِ عليها الدور.

* أمنيــــــة:

لا ننظر لموضوع الفلافل وكأنه من أولويات التحدي الذي يُواجه فلسطين، ولكنه يُكمل المنظومة الحضارية التي تبدأ بالإنسان، والأرض، والتاريخ.. أتمنى أن نُدرك أن الأطباق التقليدية هي من المكونات الجذرية التي تستحق الاهتمام، والفلافل والطعمية عربية الأصل والمنشأ، وستبقى كذلك بمشيئة الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store