Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

مهرجان الصقور.. يجذب أنظار زوار الرياض

A A
تزدان الرياض هذه الأيام بالدورة الخامسة لمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور، الذي تحتضنه منطقة ملهم شمال العاصمة، والذي يأتي في حلةٍ جديدة استطاعت جذب اهتمام ومتابعة كافة محبي هذه الرياضة التي تلامس قلوب معظم السعوديين والخليجيين، لارتباطها بالموروث الثقافي لغالبية شعوب المنطقة، كونها تُمثِّل جزءاً أصيلاً من عاداتهم وتقاليدهم الراسخة التي يحفظها وجدانهم.

وقد ارتبط الاهتمام السعودي بالحفاظ على هواية تربية الصقور بالعديد من الخطوات العملية، التي ركَّزت على تعزيز هذه الهواية، والحرص على عدم اندثارها، ويتضح ذلك من خلال خطوات عملية، يتمثل أهمها في الجوائز المغرية التي رُصدت للفائزين في المهرجان، والتي تصل قيمتها الإجمالية إلى ما يزيد على 100 مليون ريال، وذلك لتشجيع مُربِّي الصقور وهواة اقتنائها على مواصلة ذلك. وفي ذات السياق ابتكرت الجهات القائمة على أمر المهرجان جائزة خاصة للأجيال الجديدة من الصقارين، باسم «صقّار المستقبل»، وذلك لتحبيب الشباب في هذه الهواية، وتشجيعهم على ممارستها.

أما أبرز تقدير للمهرجان، فيتجلَّى في أنه يحمل اسم الملك المؤسس المغفور له -بإذن الله- عبدالعزيز آل سعود، وإطلاق هذا الاسم الغالي عليه يُؤكِّد مدى الاهتمام الذي توليه إياه القيادة الرشيدة، إضافةً إلى تخصيص جائزة باسم «سيف المؤسس»، كأبرز الجوائز المقدمة في المهرجان.

ولا يأتي الاهتمام السعودي بهذه الرياضة العربية الأصيلة من فراغ، ولم يكن لأنها أحد ضروب التنافس فقط، بل لأنها جزء أصيل من هوية هذا الشعب، وسائر شعوب الخليج، وقد أبدت المملكة حرصاً واضحاً على صيانة كافة مكونات الهوية السعودية، لذلك فقد حرصت رؤية المملكة 2030 على الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على التقاليد والأعراف التاريخية لهذه البلاد وتشجيعها.

ولم يكن اختيار الصقور للعناية بها من باب الصدفة، بل لارتباطها بالمنطقة وبيئتها وطبيعتها الجغرافية، حيث يمتاز الصقر بالعديد من الصفات، مثل: الصبر والقوة، والشجاعة والإقدام، والقدرة على العيش في مختلف الظروف المناخية، وهي صفات يتشارك فيها مع إنسان المنطقة، بل إن الصقر كان في السابق وسيلة رئيسية لاكتساب الطعام، وذلك من واقع الحيوانات والطيور التي يصطادها، وكان يتقاسم ذلك الطعام مع صاحبه، ومن هنا جاء الارتباط الوجداني الوثيق بين الطرفين.

لذلك تحفل الكثير من قصائد الشعر العربي القديم والحديث بالتغني بالصقور، والتغزل في صفاتها الفريدة، بل إن العرب أطلقوا اسم «صقر» و»شاهين» وغيرها من الأسماء المرتبطة بالصقور والنسور على أبنائهم تيمُّناً بها، كما تتخذ العديد من الدول الصقر والنسر رمزاً لهويتها.

ووجد الاهتمام السعودي بالصقور تجاوباً منقطع النظير من غالبية شعوب وسكان الدول الخليجية المجاورة، لذلك تحوَّل مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور، الذي يُشرف على إطلاقه سنوياً نادي الصقور السعودي، إلى منصة عالمية رئيسية لمربي الصقور، وتحظى مسابقاته بمشاركةٍ واسعة وحضور كبير، ليس من مجرد الهواة والصقارين، بل إن كافة أفراد البعثات الدبلوماسية المعتمدة في المملكة تتابع فعالياته بصورةٍ مستمرة.

وقد أدى ذلك الاهتمام إلى اتساع سوق الصقور في المملكة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه وصل إلى ما يزيد على 150 مليون ريال، بل إن كثيراً من الأوروبيين والآسيويين والعرب باتوا روَّاداً دائمين لهذا السوق الكبير، ويُشاركون في فعالياته، ويجلبون معهم طيورهم التي يصطادونها من بلادهم للبيع والمشاركة في السباقات.

ومما يثير الدهشة، أن هذا الاهتمام السعودي على الصعيدين الرسمي والشعبي بفعاليات مهرجان الصقور، يتزامن مع توجُّه المملكة لتطوير اقتصادها وتحديث مجتمعها ومساعي توطين التقنية واللحاق بركب اقتصاد المعرفة، ولا تناقض في ذلك، لأن مسايرة العصر ومواكبة الحضارة والتمدُّن لا تعني الانسلاخ من الهوية أو التنكُّر للموروث.

هكذا هي المملكة، تسعى للمعاصرة وتتمسك بالأصالة، تأخذ المستقبل بيد، وتستصحب في ذات الوقت الماضي المشرق والحاضر المزدهر بيدٍ أخرى، مؤكدة أن مَن يتجاهل تاريخه ويتناسى ماضيه؛ لا مكان له في عالم اليوم، وأن من لا يعتني بتراثه لا يملك القدرة على استشراف مستقبله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store