Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

خالِف تُعرف!!

A A
على مر الأزمان وُجِد من خالف السائد ليُعرف أو يبرز، بعض من المهمَّشين الذين تتوق نفوسهم للشهرة يجدون وسيلة ما تبرزهم في مجتمعهم الصغير أو الكبير، بغض النظر عن مردودها الإيجابي أو السلبي.

ربما تعود تلك النزعة إلى قدرات أو مواهب لم تعرف طريقها عن طريق العلم والتعلُّم، ولم يعرف صاحبها بوجودها، لأن بيئتهِ أو محيطهِ تربة رملية لا تنبت زرعاً ولا رطباً! لذلك يجد بعضهم طرقاً مبتكرة للفت الأنظار والظهور الاجتماعي؛ حتى لو كان ظهوراً سلبياً، مع ذلك تُكسبهم شهرة بشكلٍ ما؛ جعلت أسماءهم وأشكالهم معروفة بشكلٍ مُحبَّب أو مضحك أو ساخط وربما مُنفِّر.

في السينما المصرية كان وجود شخصية «الدرويش» ضرورية لتقريب المشاهد من واقع الحارة أو المكان، وتأثير اللامعقول على الذهنية في حقبٍ مختلفة، كل «درويش» يبتكر وسائل تُميِّزه عن «درويش» الحارة المجاورة مثلا، لكن المظهر العام يظل ضمن المظهر الرث للملابس والأحمال التي يحملها في رقبته وعلى كتفه وظهره، وشعر الرأس والذقن بدون تهذيب، كل هذا يدل على هذا المعنى؛ أي مخالفة النمط الاجتماعي في الشكل، كي يُعرَف في المجتمع الذي استقر على مظهر معين، لأن الظهور الاجتماعي والشخصيات التي تدخل تحت بند «المعرفة»، هي لشخصياتٍ من طبقةِ العلماء أو التجَّار أو الأدباء أو الطلبة النابهين، لأن لديهم قيمة فكرية أو علمية، اقتصادية أو أدبية، مع تمتعهم بمعايير الخُلقِ القويم، ومخالطتهم الناس بالحسنى، وكثير من القِيَم التي يشتهر بها الناس في حقبة زمنية محددة، ومجتمع ما.

تطورت تلك المخالفة لمخالفة القواعد السائدة التي تعارف عليها المجتمع للبروز الاجتماعي والمعرفة، وتحوَّلت إلى جماعات أطلقت عليها أسماء حسب مظهرها، أو الفكر الذي تبنَّته، وهو فكرٌ مُخالف لقِيَم المجتمع ومُتصَادِم معه، كفرقة الحشاشين، والفتوات في المدن العربية عندما اختل الأمن، فتسيَّدوا المشهد بقسوتهم وجرأتهم وخروجهم الآبق من ربقة المجتمع، بل أخضعوا المجتمع لرغباتهم الجشعة.

في عصر التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، انفتح الباب أمام الجميع للشهرة، ومُنِحَ الجميع حق المخالفة، بل زاد في ذلك سهولة الوصول إلى الشهرة من خلال زيادة المتابعين على حساب تويتر أو فيسبوك، يوتيوب، انستغرام، والتيك توك.

الشهرة حق لمن يستحقها بعلمهِ أو تميّزه وجهده، لكنها أصبحت حقاً لمَن لا حق له، والأغرب أن معظــــم المتعاطين مع تويتر من طبقة المثقفين والأكاديميين والأدباء، لكـن تجد بعض من أولئك يُخصِّص حسابه للنيل من فئة اجتماعية محدَّدة، ويُوجِّه نقده اللاذع وألفاظه المنافية للأدب والذوق للنيل من تلك الفئة فقط لزيادة متابعيه، وإثارة السخرية من تلك الفئة الاجتماعية التي تستحق التقدير والاحترام، لكنه لا يفتأ يهزأ بها وبتكوينها وبكل ما يخصّها، فيُتابعه الغوغاء والتافهين، وربما يُتابعه بعض العقلاء للرد عليه وتفنيد أكاذيبه، لكنه يستغل كل ذلك لمزيدٍ من التغريدات المخلَّة والمسيئة، ويصبح مشهورًا، لأن متابعيه بلغ عددهم مئات أو بضعة آلاف، ولا أظن مثله يتخطَّى مُتابعيه أكثر من ذلك، لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، أما الزبد فيذهب جفاء!.

هناك نساء وأطفال، شباب وشيوخ، كل منهم وجد له طريقة للشهرة، حتى لو كانت عن طريق افتعال حادثة غير حقيقية، واستغلالها لتصويرها ونشرها، بعض النساء تستغل العاملة المنزلية لتحصد عدد متابعين على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.

إذاً، تَحوَّر معنى: «خَالِف تُعرف» إلى معاني أخرى، «اكذب تُعرَف»، «صوّر كل حركاتك وحركات أطفالك وما تُقدِّمه لضيوفك تُعْرَف»... إلخ.

هذه المعرفة أو الشهرة هي التي تحوَّلت إلى طموح جشع يُجرّد المرء من قيمهِ وأدبهِ وأخلاقهِ، يُحوّله مستغلاً حتى لأطفاله، وهو لا يُدرك أنه يُسيء لنفسه وأهله ومجتمعه، وأنها شهرة أوهَى من بيت العنكبوت!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store