Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

بين جُدة وجازان!

الحبر الأصفر

A A
ما رايكم بهذا العنوان:

(التَّحْقِيقَاتُ المُعَدَّة بِحَتْمِيّة ضَم «جِيم» جُدَّة)؟!

إنه عنوان كِتَاب ممتع للبَاحِث الرَّائِد والمُحقِّق المَاجِد/ أبُو نَبيه «عبدالقُدُّوس الأنصَاري»، كَتَبَه في مَعركة بينه وبين خصومه، الذين يَرون جَواز «الفَتح» و»الكَسر»، في حين يَرى شَيخنا العلَّامة الأنصَاري «حتميّة الضَّم»!

تِلك قِصَّة قَد خَلت، ومَات أَطرَاف الجَدَل فِيها، ولَم يَبق إلَّا مَا خلّفوه لَنا؛ مِن مُفاوضات ومُجادلات، ودِرَاسات وتَحقيقات!

ولَكن لماذا أعود إليها الآن، مَع أنَّ الأمر كَما قَال البَاحِث/ حَمَد الجَاسر جَائِز فيه الضَّم وغيره من كَسر وفَتح، والقَاعدة اللغويّة تَقول:

(إنَّ الخطأ المَشهور خَير من الصَّواب المَهجور)!

ولكن الأنصاري يَعتب على الجَاسر قَائِلاً: (ولم يُقدِّم الجَاسر لنا حتى الآن أقوال العُلماء اللغويين الأثْبَات، والمُؤرِّخين والجُغرافيِّين الثُقات، بجوار هذا «التَّثليث»)!

إنَّني أَرجع لهذا البَحث لأُعطي مِثالاً عَلى «صِدق وإخلاص وجَلَد» ذلك الجِيل على البَحث والتَّحقيق والتَّدقيق.. وبالذات علَّامتنا الكبير/ عبدالقُدُّوس الأنصاري، الذي كوَّن من لا شيء شيئاً مَذكوراً!

ومِثل هَذه المَعارك «اللفظيّة» ليست غَريبة على العلَّامة الأنصاري، فقد تَعقَّب كَلِمَة «جِيزان» حتى تَوصَّل إلى أنَّ الصَّواب أن تُكتب وتُنطق (جَازَان)، وبَعد ذَلك صَدَر أمر مَلكي باعتماد تَسمية البَاحث عبدالقُدُّوس الأنصاري!

إنَّ كِتَاب الأنصاري عن «ضَم جُدَّة» عَجيب بدِقته وجَمعه، ومَراجعه وأدلَّته، ولك أن تتخيّل أنَّ كَلمة مِن «أربعة أحرف» تُثير خِلافاً رَاقياً يتمدَّد ليَصل إلى أن يَكون كِتَاباً يتلى وسُطوراً تبقى!

مِن الحَمَاقة بمَكان أن اختصر ما قَاله إمام اللُغة الأنصاري في كِتَاب؛ لأقوله في شِبر من البَياض، ولكن سأقول: إنَّ الشّيخ الأنصاري سَرَد «جَريدة المُستندات» -كما هي تسميته- حيث استشهد بثمانية عشر مَرجعاً مُعتَمَداً نصَّت على ضَم جيم جُدَّة، ثُم عَمَد إلى مُدوّنات المُعاصرين من مَعَاجم وقَواميس، واستشهد بخمسة عشر مَرْجِعاً، ليُفحِم خصومه بالأدلة والشواهد، الأمر الذي جَعلهم يَقولون -كما يَقول بَعض القُرَّاء الآن- بأنَّ الأمر لا يَستحق كُلّ هذه الأهميّة!

حَقيقة.. لقد كُنت وأنا صَغير لا أستطيع البحث والتعمق في المسائل الخلافية لذلك أمارس مِثل هذه الحِيَل، بحيث أُحطِّم نَجاح الآخرين بالاستخفاف بأعمالهم، قائلاً بحَمَاقة صَفراء عِبارة: (ثُم مَاذا إذا كَانت بالضَّم أو بالكَسر)؟!

ولكن عِندما كَبرت.. شَعرت أنَّ هذا يَكشف عَجزي، أكثر ممَّا يَهد في قوة خصمي!

إنَّني اكتشفت حين ذاك.. أنَّني أكره الجُهد، وأُحب الكَسل، وأَغَار من النَّجاح، لذا عَمَدتُ إلى مَقولة (ثُم مَاذا)؟!

حسنًا، ماذا بقي؟

بقي القول؛ يا قوم الله الله بالاجتهاد من أجل الوصول إلى الحق والصواب.. ما أجمل البحث عن الحقيقة والانتصار لَها، وهَل هُناك أروع وأبدع؛ وأمتع وأبرع؛ مِن «جَبر كَسر خَواطر المُدن ودعمها بالضَّم»، وحَسبك بالضَّم جَمالاً وصياغة!

وقد قَال بعض المُؤرِّخين: إنَّ المَلك عَبدالعزيز -طيّب الله ثراه- قد «ضَم» الحِجاز ولم يَقولوا «فَتَحَها»!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store