Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

المؤشرات تؤكد: قوة الاقتصاد السعودي ومرونته

A A
بوضوحٍ تام، كشفت أرقام ودلالات الميزانية التي تم الإعلان عنها خلال الأيام القليلة الماضية عن القوة التي يتميَّز بها الاقتصاد السعودي، والتي مكَّنته من الصمود في وجه العقبات التي أفرزتها الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، وفي مقدمتها الهزات الاقتصادية العنيفة الناتجة عن جائحة كورونا (كوفيد-19)، التي لا زالت تداعياتها تسيطر على الاقتصاد العالمي، بالقدر الذي لم تسلم منه أيًّا من دول العالم، إضافةً إلى ما أحدثته تداعيات الصراع في أوكرانيا من آثارٍ سالبة. وقد كانت الأعوام السابقة بالغة الصعوبة على الجميع، ورغم بدء مرحلة التعافي من تلك الجائحة، إلا أن العالم لا زال يدفع فاتورة ما أحدثته كورونا من ارتباك كبير على كافة الأصعدة، لكن مع ذلك استطاع الاقتصاد السعودي لفت الأنظار بمرونته المدهشة وقدرته الفائقة على الصمود في وجه العاصفة، والطريقة المحكمة التي أدارت بها المملكة تلك الأزمة.

تلك النجاحات ظهرت بوضوح في قدرة الاقتصاد السعودي على المواءمة بين المنصرفات والإيرادات، وتحقيق قدر كبير من الفائض في الميزانية؛ رغم تزايد أوجه الصرف على المشاريع العملاقة وغير المسبوقة التي يجري العمل على تنفيذها بصورةٍ متواصلة، والتي قطعت شوطاً كبيراً؛ وشارف بعضها على الانتهاء قبل الآجال المحددة، وهو ما يدل على سلامة التخطيط وجودة التنفيذ.

كذلك، فإن من أبرز الملامح الإيجابية للميزانية تزايد معدلات الإنفاق على الصحة والتعليم، وزيادة المبالغ المرصودة للبحث العلمي والبعثات الخارجية في تخصصات محددة، وهو ما يشير إلى حرص القيادة الرشيدة على رفاهية المواطن وزيادة تنمية رأس المال البشري، والسعي الحثيث لإيجاد كوادر شابة قادرة على تولي مسؤولية الإنجاز والعطاء خلال السنوات المقبلة.

وانعكس اهتمام القيادة الحكيمة بعنصر الشباب -حسب البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء- على تراجع معدل البطالة بين السعوديين لتصل إلى 9.7% مقابل 10.1% في الربع الأول من عام 2022م، وهو أقل معدل منذ عقدين، وذلك إيماناً بأن العنصر الشبابي هو الأساس لتحقيق النهضة.

كذلك، كانت هناك زيادة ملحوظة في الصرف على الجوانب الاجتماعية مثل: تنفيذ البرامج الإسكانية والمشاريع التنموية، وتحقيق مستهدفات الرؤية، والتركيز على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاهتمام بالحماية الاجتماعية.

وربما يظن البعض أن الارتفاع في أسعار النفط العالمية هي السبب الرئيسي في زيادة الميزانية وتطورها بهذا الشكل، لكن ذلك يبقى فهماً مغلوطاً وغير حقيقي، لأن مصادر الدخل غير النفطية ارتفعت بشكلٍ ملحوظ كنتيجة طبيعية لنجاح برامج رؤية المملكة 2030 التي حرَّرت الاقتصاد من عبء الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وهو ما مهَّد الطريق للانطلاق نحو مزيد من التطور والتقدم في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، كما كان لاستمرار الحرب على الفساد المالي والإداري أثر كبير وواضح في زيادة مصادر الدخل، ومحاربة تسرُّب الأموال خارج مصارف الإنفاق الشرعية.

ومن أبرز ما يلفت النظر كذلك في أرقام الميزانية؛ مواصلة الاهتمام بالقطاع السياحي، حيث تم التركيز على استحداث 834 ألف فرصة عمل جديدة بهذا القطاع، وتحقيق 3.1 مليون زيارة سياحية بنهاية العام المقبل، ودعم المشاريع السياحية الصغيرة ومتناهية الصغر، وتحفيز السياحة الداخلية، إدراكاً لما لهذا القطاع المتجدد من قدرة على التأثير الإيجابي في كثير من القطاعات المساندة.

وكانت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- واضحة خلال إقرار الميزانية، حيث أكَّدا أهمية التركيز على تنمية دور القطاع الخاص من خلال تسهيل بيئة الأعمال، والتقدم في برامج التخصيص، وإتاحة مزيد من الفرص أمام رجال الأعمال للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، وتطوير القطاعات الواعدة والجديدة، والاستمرار في تنفيذ برامج ريادة الأعمال، والأخذ بأيدي الشباب للرفع من إسهامهم في التنمية الاقتصادية، وزيادة دورهم الفاعل في تنمية المجتمع، ودعم المحتوى المحلي.

هذه الإشارات الواضحة تعيد التأكيد على أن أبرز الأولويات يكمن في توفير رعاية كريمة لصحة وعيش الإنسان، ودعم تطوير الخدمات، ومواصلة البرامج التنموية الشاملة لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وربط ذلك بصورةٍ مباشرة بجودة حياة الإنسان وزيادة رفاهيته، وإتاحة الفرصة الكاملة أمامه للانطلاق في فضاءات الإبداع والتفرد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store