لم تكد تظهر الإعلانات عن البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب الذي امتد من 8- 17 /12/ 2022 حتى أثار الإعلان شغف الجمهور بمنطقة مكة المكرمة، التي تشمل محافظات ومدن متعددة، فهرع الناس إلى ذلك المهرجان الثقافي الذي بحق يستحق الزيارة والاستمتاع بما قَدّم من ندوات حوارية، وورش عمل، وأمسيات شعرية، وبرامج عن علوم اللغة العربية، كما استضاف شخصيات لهم باع طويل في كافة مجالات العلم، والأدب، والثقافة والفنون، فكانت هناك أكثر من 100 فعالية، حقيقة لم يكن معرض جدة للكتاب في السوبردوم جدة سوى كرنفال ثقافي، استقطب يومياً الآلاف من الزوار من كافة شرائح المجتمع وعلى مدار عشرة أيام، ووجود أكثر من 900 دار نشر محلية، وعربية، وعالمية.
ومما لفت نظري، الندوات الثقافية والأدبية، خاصة ندوة (الأعمال الروائية السعودية وفرص تحويلها إلى أعمال سينمائية)، التي حضرتها شخصياً، حيث تعتبر السينما مجالًا جديدًا وواسعًا تخوض فيه السعودية تحديات متعددة، ولكي تصل إلى مستوى العالمية؛ لابد من مواجهة التحديات من أخصائيي السينما السعوديين، ومنهم المشارك الأستاذ/ أيمن طارق جمال منتج فيلم (بلال)، والذي تُرجم إلى 13 لغة عالمية، وقد استمتع الجمهور بما طُرح من آراء حول تطوير الأعمال الروائية وتحويلها إلى أفلام، وما يحتاجه السيناريست من فنيات في التحويل، حيث نحتاج إلى محتوى يليق بأخلاق المجتمع السعودي، وقيمه، وعاداته، وليس مجرد اختيار أي رواية فيها إساءة للمجتمع، حيث تشوه بعض الروايات صورة المجتمع السعودي، ويستخدمها المغرضون في بث سمومهم ضدنا؛ فلا يكون حجم المبيعات العالي معياراً في اختيار الرواية وتحويلها إلى فيلم.
والجميل في المعرض جذب الأطفال من خلال الأركان، وما اشتملت عليه من فعاليات تُنمِّي الإبداع لدى الأطفال، سواء في التعبير الفني بالرسومات، والقصص من الحكواتي، والتي تترك للطفل مجالاً لتغيير نهاية القصة كنوع من تنمية المواهب الإبداعية في التأليف، بل هناك مجالات للخيال العلمي والأحلام، وكيفية تحويلها إلى واقع مبدع، فضلاً عن تدريبات التمثيل المسرحي وتنمية مهارة الوقوف على المسرح.. وكل تلك الفعاليات تُحقِّق أهداف تربوية قيمة، منها تنمية ثقة الطفل في ذاته، والقدرة على التعبير عن أفكاره، ومواجهة الجمهور، وتدريبات فن رسم الكرتون، وفنون الطهي، وتجارب علمية وتقنية قد تكون أساسًا في توجيه مسيرة الطفل العلمية مستقبلاً؛ فقد كان الكثير من أبنائنا يصلون للمرحلة الثانوية ولا يعرفون إلى أي مجال تكون مسيرتهم المستقبلية.
كما لفت الأنظار في المعرض، معرض الآثار السعودية وما تم اكتشافه من آثار تصل إلى ما قبل القرن الأول الميلادي من كافة أنحاء المملكة، وتجسيد لإنسان بعض المناطق، مثل شخصية من (الفاو) جنوب الرياض. كما أن اشتراك جهات متنوعة في معرض جدة للكتاب؛ زاده ثراءً وجذباً، ومنها مركز الملك سلمان للغة العربية، وفعاليات حفل جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي الذي تُشرف عليه أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، وقد كان حفلاً مميزاً دُعِيَتْ إليه شخصيات اعتبارية وثقافية، حيث توَّج صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة؛ رئيس مجلس أمناء أكاديمية الشعر العربي الفائزين من كافة المجالات العامة، من التعليم العام، والجامعي، وشعر القصيدة المغنَّاة، مما يُحفِّز المبدعين على كتابة الشعر المُغنَّى بأسلوب أدبي رفيع، بعيداً عن العامية، مما يعيد للأذهان روعة قصائد شوقي وأبوفراس الحمداني، وامرؤ القيس، وقصائد عبدالله الفيصل -رحمه الله-، مثل قصيدة ثورة الشك، ومن أجل عينيك عشقت الهوى، الذين غنت لهم أم كلثوم أروع أغانيها، فأصبحت مع بقية الأغاني جزءًا من حضارة الأمة العربية في الغناء بالفصحى، والتي نتمنى بهذه الجائزة القيمة أن يعود للأغنية العربية رونقها وجمالها.
وإن كانت لي ملاحظات على المعرض، فهي بُعد المكان عن سكان بقية المحافظات، والتي تبلغ 17 محافظة، منها محافظة العاصمة المقدسة، والطائف، والباحة وميسان.. لأن الكثيرين يتشوقون للاستمتاع بالفعاليات، ويصعب عليهم الذهاب، ما نتمناه أن يكون المعرض بين مكة وجدة لتكون قريبة لبقية المحافظات، وكذلك فرصة لاستقطاب المعتمرين للحدث الاستثنائي، وبذلك يكون دخل المعرض ودور النشر أضعافاً مضاعفة، لأن أمة «اقرأ» بحمد الله أصبحت تقرأ.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
