Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

تغَوُّل مشاهير شبكات التواصل

A A
استوقفتني مؤخراً تغريدة مُعبِّرة للمذيع ومقدم البرامج الإذاعية ماجد الثبيتي، صاغها على وزن المقولة الرائجة: (لا تجعلوا من الحمقى مشاهير)، وتقول تغريدته: (لا تجعلوا من الحمقى مذيعين)، وذلك في إشارة لانتقال مشاهير شبكات التواصل من مرحلة تهافت شركات الإعلان عليهم، وتقليدهم في البرامج الكوميدية، واستضافتهم بكثافة في لقاءات على العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية، إلى مرحلة جديدة هي استقطابهم للعمل الوظيفي كمقدمي برامج ومذيعين في قنوات كانت تتسم بالرزانة والرصانة الإعلامية.

وواقع الأمر هو أن مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي لدينا دخلوا فيما يبدو مرحلة أعمق من كل ما سبق، وهي مرحلة «التوغل والتأثير الإعلامي»، وليس مستبعدًا أن نرى قريباً تحوُّل هذا «التوغُّل» إلى «تغوُّل» إعلامي يبسُطُ فيه أولئك المشاهير سطوتهم وسيطرتهم على غالبية محتوى ورسائل وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة، والتي أصبحت تقيس نجاح برامجها بمدى تكرار اسم البرنامج، وعدد المشاهدات والتعليقات على وسمه (الهاشتاق الخاص به) على تويتر، حتى لو كانت معظم تلك التعليقات تنتقد البرنامج.

وللتوضيح، فإن المقصود هنا تحديدًا هم مشاهير ومشهورات شبكات التواصل، ممن يعتمدون كليًا في تقديم محتواهم على التهريج الخارم للذوق والمروءة، أو استعراض الجسد والمفاتن الخادش للحياء والأخلاق.

فمما لا شك فيه وجود مشاهير على شبكات التواصل نالوا شهرتهم باستحقاق من تقديمهم لمحتوى مفيد ومميز يستحق كل احترام وتقدير.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن هؤلاء المشاهير الذين يشملهم حديثنا، ليس لديهم التعليم ولا الخبرة الإعلامية الحقيقية، وكل ما لديهم هو أعداد ضخمة من المتابعين، جمعوها كما سبق القول بوسائل وأساليب لا علاقة لها إطلاقاً بمهنة الإعلام ومهاراته. وتكرار ظهورهم المستمر على القنوات أصبح يأخذ أشكالاً عديدة تبرزهم لدى الناس وتصورهم على أنهم شخصيات رائعة وناجحة تستحق الاقتداء بها وتقليدها.

حسنًا، ماذا يعني ذلك التوغُّل - أو التغوُّل - لمشاهير شبكات التواصل الاجتماعي في القنوات التلفزيونية والإذاعية؟.

.. يعني أولاً، أن الكثير من قنواتنا التلفزيونية والإذاعية أصبحت تفتقر للقدرة على الإبداع، لدرجة أصبحت معها تستجدي الحلول السريعة، ولو كانت من حضيض شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بدلاً من ممارسة دورها في إعداد وصقل وتدريب المؤهلين لوظائفها الإعلامية المختلفة.

.. ويعني ثانياً، أن لدينا قصوراً في أعداد وكفاءة خريجي وخريجات الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وهذا ليس صحيحاً، فهناك الكثيرون منهم ممن أمضوا سنين عديدة في دراسة التخصص في جامعاتنا، وكذلك في أشهر وأعرق جامعات العالم.. وتجاوز كثير من قنواتنا لكل هؤلاء بحثاً عن «أعداد متابعين» ليس بالأمر المنصف أبداً.

.. ويعني أخيراً وليس آخراً، أننا نوجه رسائل خاطئة مباشرة وصريحة لأبنائنا وبناتنا، نقول لهم فيها بأن مقاعد الدراسة وصعود درجات السلم بجهد والتزام بالقيم والأخلاق، ليس هو الطريق الصحيح.. وأن عليهم بدلاً من ذلك، سلوك طريق الشهرة والثراء السريع عبر باب التيك توك وسناب شات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store