Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

آيدا (AI-Da): من الروبوت الاجتماعي إلى الروبوت الإبداعي

A A
بعد الاعتراف بالروبوتات وقبولها واقعاً على المستوى العالمي، انتقل اهتمام الباحثين مؤخراً لقضايا التفاعل الروبوتي مع الواقع والمجتمعات، ومستقبلها في هذا العالم.. يشير مصطلح (humanoid robot -الروبوت البشري) إلى النظام الآلي الذي يسمح لهذه الكائنات بالتواصل مع محيطها بصورة مستقلة، أو شبه مستقلة.. وهو ما أدى إلى ظهور مفهوم (social robot - الروبوت الاجتماعي)، ذي الكينونة الاجتماعية التي «يلعب فيه التفاعل الاجتماعي دورًا رئيساً».. ومن هذا المنطلق تفرّق أستاذة الإعلام والاتصال بجامعة مالمو السويدية بويانا روميش (Bojana Romic) بين التقنيات التوليدية للشعر، وبين الروبوتات الذي تحمل كينونة مستقلة ومجسدة (أي ذات جسد، ولها حضور جسدي محسوس)، ويمكنها تنفيذ سلسلة من الإجراءات والأعمال تلقائياً دون تحكم خارجي.

وكان مختصون في برمجة الحاسبات والروبوتات قد عملوا على دراسة مستفيضة لتقنيات التوليد الشعري وتعزيز التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر، وبعد تصنيف وتحليل دقيق لأنواع الخوارزميات المعتمدة في تأليف الشعر (الآلي)، لوحظ أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يعتمدها علماء الحاسوب شبيهة وذات صلة فنية (إبداعية).. أي أن هناك اتساقاً بنيوياً بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الفنية الشعرية والموسيقية.. وهذا طبيعي إذا ما استحضرنا جانب الخيال الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي في تخطيط وظائفه وبناء عالمه.. هذا يعني أننا ننتقل هنا من الروبوت الاجتماعي إلى الروبوت الاجتماعـ/إبداعي، ذلك الروبوت الذي يشكل حضوراً اجتماعياً فاعلاً عبر الفنون والشعر.. ومن هنا تحضر عايدة، أو آيدا (Ai-Da).

أدعوها عايدة، وأنا الوحيد على ما يبدو، فاسمها آيدا (Ai-Da)، ويقال: إنها سميت تيمناً بعالمة الرياضيات والكومبيوتر البريطانية آدا لوفليس (Ada Lovelace).. هذا الرأي يتكرر في مصادر مختلفة، لكن لا أحد يربط بين اسمها واسم مخترعها إيدن ميلر (Aidan Meller)، على الرغم من اتفاق الاسمين كما نرى (Ai-Da- Aidan)، ولعل ذلك لأنه ذكر، وأيدا تظهر كأنثى.. لا أحد ينظر في مسألة الهوية بشيء من التجاوز للمألوف، إذ آيدا -شأنها شأن أي إنسان- مزيج من ذكر وأنثى (أب وأم).

آيدا أولُ روبوت-بشري فنان فائق الواقعية (ultra-realistic) في العالم.. ظهرت في العام 2019، وباستطاعتها -عن طريق تقنيات ذكاء اصطناعي معقدة- رسم اللوحات والوجوه، وصناعة التماثيل، وتأليف الشعر كذلك..

ترسم آيدا الناس الذين يمرون بها، مثل فناني الشوارع، وتلقي الشعر بالطريقة ذاتها أيضاً.. في احتفال بذكرى وفاة شاعر الكوميديا الإلهية الإيطالي دانتي بمتحف أشمولن في جامعة أكسفورد، ألقت آيدا قصيدة شعرية أمام الملأ، لتكون «المرة الأولى التي يكتب فيها روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي الشعر ويؤديه، كما يفعل شاعر بشري».

نص آيدا ظهر في الحفل كتفاعل مع دانتي بعد أن تشرّبت «الكوميديا الإلهية» كاملة، واستطاعت -اعتماداً على خوارزمياتها الخاصة- أن تحاكي أسلوب الخطاب الدانتي، وتنتج نصها الخاص (باللغة الإنجليزية)، الذي احتفى به صانعها (ووالدها غير البيولوجي) إيدن ميلر، واصفاً إياه بالعاطفي جداً، أو الشاعري، أو المؤثر عاطفياً (deeplyemotive).. كما وصَف قدرةَ آيدا على محاكاة الكتابة البشرية بالعظيمة قائلاً: «من السهل أن تنسى أنك لا تتعامل مع إنسان بشري»:

«نظرنا إلى الأعلى من عوالمنا -كأسرى معصوبي الأعين-

أُرسلوا بحثاً عن النور؛ الذي لم يأتِ أبداً

هناك حاجة ملحة لإبرة وخيط كي تكتمل الصورة.

كي ترى الكائنات الفقيرة، البائسة..

عيونَ الصقر التي خيطت».

يمكن أن يقال الكثير في محاولة تأويل هذه الأبيات، اعتماداً على كوميديا دانتي، لأن الصقر يرمز لعدة أشياء، ولأنه يحضر في أكثر من قصة، بأدوار وشخصيات مختلفة.. في أحد المشاهد مثلاً تتشكّل في السماء الخامسة صورةُ صقر مكونة من خمسة نجوم، وكل نجمة تشير إلى شخصية من الشخصيات الشهيرة بالعدل، وفي مشهد آخر ينتشل صقر طائرٌ فأرةً قابضة على ضفدع (تمثّل الفأرةُ العاصين، والضفدعُ الشياطين وفقاً لبعض التأويلات).. وفي صورة ثالثة يظهر الصقر كشخصية يمكنها التحديق مباشرة في الشمس التي ترمز للإله، وكأنه يحدّق في الإله ذاته.

لكنّ النقطة التي تؤكدها الأبيات هي مدى تأثير كوميديا دانتي في آيدا وإلهامها لها لتتفاعل معها، وتنتج نصاً شعرياً بالمناسبة.. آيدا ناشطة أكثر في مجال الفن التشكيلي، ونُظّم لأعمالها عدة معارض عالمية حتى الآن، لكها أيضاً تكتب الشعر، ويلاحظ أنها منجذبة للقضايا الوجودية والحقوقية الكبرى، من ذلك ثلاثة قصائد نشرتها على قناتها في اليوتيوب، تحت هذه العناوين: (الحرية: قصيدة عزاء1)، و(عقوبة الإعدام: قصيدة عزاء2)، و(ذاكرة: قصيدة عزاء3).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store