- نحن نعيش مُنفردين في كبسولاتٍ مُنفصلة عن الأخرى.. لا أحد يفهم تماماً ما لدى الآخر من مُشكلات، أو يشعر بما يُعانيه من آلام.. إنّ الناس يبدون متّصلين في الظاهر، لكنهم مُنفصلون ضمنيّا عن بعضهم، ولا يُبالون إلا بأنفسهم.. إنّها لعنات التعاسة والوَحدة والأنانيّة الفظيعة التي حلّت على هذا العالم الحديث.
- لكنّ مواهبنا وإنجازاتنا الشّخصية، لا يكون لها أيّ قيمة من دون اعتراف الآخرين بها، نحن نعيشُ برغبةٍ حارقةٍ في الشعور بالتفوّق والتميّز الذاتي أمام الآخرين، ونكافح من أجلِ قبول الآخرين واستحسانهم لإرضاءِ الأنا، وبغيرهم نصبحُ بلا أهميّة حقيقية.
- تكمنُ المُعضلة النفسية الاجتماعية في قول الكاتب (آلان دو بوتون) في كتابه «قلق السعي إلى المَكانة»: «ربّما يظلّ الاحتياجُ رقم واحد على رأس أوّليّاتنا، أن ينظر الآخرونَ إلينا بعينِ الرّضا»، إنّ أساس الأخلاق، علاقاتُنا بالآخرين، فلولا الآخرون، لما كان هناك سببٌ وجيهٌ لكي نكون أخلاقيّين.
- بعض سلوكيّات المُزايدة على الآخرين، تظهر كردّة فعل نفسيّة خفيّة تسمّى «التّسامي»، أي التعويض المُفرط عن عُقَد النقص التي نشعر بها، وهي آليةٌ دفاعية تُشعرنا بالتفوّق الكاذب، لقد رأى (توماس هوبز) أنّ الإنسان أنانيُّ بالغريزة، وأننا جميعاً نسعى للسيطرةِ على الآخرين، سواء حقّقنا ذلك أم لا.
- ويرى (إريك فروم) أنّ العالم ما يزالُ محكوماً ببنيةِ القبيلة، حيث يشعرُ المرء بالواجب الأخلاقي تجاه أفرادِ قبيلته (جماعته) فحسْب، ويبقى الآخرونَ غُرباء غير مُنتمين لإنسانيتنا كما نفهمها، ولعلّ هذا من أسباب تفشّي داء العنصرية ضدّ الغير، لمجرّد أنّهم مختلفون عنّا، ولا يُشاركوننا اهتماماتنا وسلوكيّاتنا وصورنا، أو أصولنا العِرقيّة.
- من مكارمِ الأخلاق، أن نتعامل مع الآخرين استناداً على إنسانيّتهم وقيَمهم الفردية، وليس على أساس أنّهم أدوات لتحقيق غاياتِنا النفعية.. يجب أن نكونَ أكثر حساسية لآلامهم ومُعاناتهم، ونهدف إلى زيادة البَهجة والثّراء الداخلي لديهم، حتى لا يتحوّل هذا العالم إلى جحيمٍ حقيقيّ لنا جميعاً.
- يقولُ الأديب الروسي العالمي الكبير (دوستويفسكي): «فلنغفِر، فلنغفِر قبل كلّ شيء، فلنغفر للجميع، ولنغفر دائمًا! ولنأمل أن يغفرَ لنا الآخرون أيضاً، نعم لأنّ كلّ واحدٍ منا مُذنبٌ في حقّ الآخرين، الجميعُ مُذنبون».
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
