Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

دوافع الرفض السعودي لتنظيم الإخوان

A A
تابعتُ باهتمامٍ كبير ما نشره موقع «العربية نت» من مقتطفات لحديث نائب وزير الشؤون الإسلامية الأسبق الدكتور توفيق السديري في برنامج «سؤال مباشر»، حيث كشف أن «حسن البنا» مؤسس تنظيم جماعة «الإخوان المسلمين» كان يستغل موسم الحج للترويج لأفكار الجماعة، وأنه عرض خلال أحد المواسم على المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز آل سعود إنشاء فرع للتنظيم بالمملكة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض القاطع من الملك الذي لم يقبل بمجرد النقاش حول هذا الأمر.

هذا الطلب يعكس جهل مؤسِّس الجماعة الإرهابية بطبيعة المملكة، وكيفية تعاملها مع موسم الحج الذي تنأى فيه بالكامل عن أي جوانب سياسية، وتتمسك بطابعه الديني فقط، كموسم للرحمة والمغفرة والعبادة، بدون أي اعتبارات أخرى. كما يُؤكِّد الطبيعة الانتهازية التي ظلت سمة ملازمة للإخوان المسلمين الذين لا يتورعون عن ركوب أي موجة تتيح لهم تحقيق أهدافهم المرفوضة، حتى ولو كان على حساب ركن الحج الأعظم.

أما الجهل الأكبر فيتجلى في عدم إدراك مؤسِّس التنظيم الإرهابي لطريقة تفكير الملك عبدالعزيز، الذي أبدى حرصاً كبيراً، وتمسكاً شديداً بالمنهج الوسطي الذي يُعبِّر عن جوهر الإسلام، ورفضه للحزبية والتفرُّق والتشرذم، وتمسكه بإنشاء الدولة الجديدة على قاعدة المواطنة الصالحة والتنافس لخدمة الوطن، بعيداً عن أي إيديولوجيات ورؤى خلافية، بحيث يتسابق الكل لخدمة البلاد، ويكون معيار المفاضلة الوحيد هو مقدار الالتزام بالأنظمة والقوانين، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو مذهبية أو مناطقية، وهذه هي مكونات الوصفة الفريدة التي قامت عليها السعودية منذ تأسيسها.

رغم ذلك الموقف الواضح من الملك عبدالعزيز، إلا أن الجماعة الإرهابية التي اعتادت العزف على أوتار القضايا الخلافية لم تيأس، وظلت تحاول على الدوام التسلل إلى المجتمع السعودي، وتجنيد بعض أبنائه ضمن كوادرها، وذلك لأسباب ودوافع عديدة في مقدمتها أن المملكة هي أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنطلق الرسالة الإسلامية، لذلك فإن وجود موطئ قدم لتلك الجماعة يُحقِّق لها مكاسب متعددة، ويتيح لها مواصلة التمسُّح بالدين والتخفِّي وراءه، إضافةً إلى أن هذه البلاد التي أكرمها الله بالعديد من الثروات والنعم يمكن أن تُشكِّل مورداً مثالياً لتمويل التنظيم ومساعدته على بلوغ أهدافه.

لذلك تواصلت مساعي الإخوان لاختراق بنية المجتمع السعودي، والتسلل إلى قطاع التعليم، حيث استطاعوا -للأسف- استمالة بعض العاملين في هذا القطاع، وتمرير أفكارهم الشيطانية ضمن المناهج الدراسية، وتصوير رموزهم بصورةٍ مثالية، وتقديمهم على أنهم هم المفكِّرون والعلماء وقادة الأمة، وأن طاعتهم واجبة، إلى آخر تلك الأوهام التي لا زالوا يُحاولون زرعها بين البسطاء.

ولكن لأن الحق يعلو ولا يُعلَى عليه، وأن الباطل مصيره إلى الزوال، حتى وإن تطاول أجله، فقد هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه البلاد من استطاع أن يكشف سوءات هذا التنظيم، ويُخلِّص البلاد من شروره، وأن يُحصِّن أفراد المجتمع من أفكاره، وأن يُنبِّه إلى الخطر الذي يُمثِّله على الأمن المجتمعي، وعلى استقرار الأوطان.

الجانب المشرق لهذا المجهود الكبير الذي نشهده في هذه الفترة، أنه يعتمد بشكل رئيسي على المحور الفكري، من خلال المدارس والجامعات السعودية، لتحذير الشباب من مغبة الوقوع في براثن هذا التنظيم المشبوه، وتفنيد أفكاره الضالة بالدليل والحجة المستمدة من الكتاب والسنة النبوية. هذا النهج الحضاري العصري يُمثِّل أبرز تجليات (الأمن الفكري).

ونظرة سريعة لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين ومراجعة سيرتها وقراءة أفكارها، تُوضِّح بجلاء أنها أشد خطورة من تنظيمي القاعدة وداعش، لأنها تزعم التوسط والاعتدال، وتتظاهر برفض التطرف والغلو، رغم أنها قامت في الأساس على العنف والترويج لأفكار متشددة، مثل تكفير المجتمع، واستحلال دم المخالف، واستباحة عرضه وماله، وذلك عبر تجييش أتباعها وتدريبهم عسكرياً لمواجهة السلطات الشرعية، وإعلاء الولاء للجماعة على الانتماء للأوطان، وهذا مبدأ ظاهر وواضح في أدبيات الجماعة.

في ظل الجهود التي تجري حالياً لاجتثاث الأفكار الإخوانية، لا يُخالجني أدنى شك في أن هذه النبتة السامة لن تجد في تربة الوسطية السعودية مجالاً للنمو، لأن المملكة اختارت الحكمة والاعتدال، وتسير بثبات في طريقها كي تكون واحة للجميع، ومنبراً يشع منه الإسلام بمبادئه النقية، ليجلب السعادة لكافة البشر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store