Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

كونــــــــــــكورد

A A
معناها «الاتفاق» باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهي اسم إحدى أغرب وأجمل الطائرات التجارية في التاريخ.. وخلفية الإنتاج المشترك غريبة جدا.. بالرغم من كونهما جيران، إلا أن الاختلافات بين فرنسا وبريطانيا جذرية.. في اللغة، وفي التاريخ، كما ينعكس في النزاعات الدموية بينهما عبر مئات السنين.. وحتى في لغة القياس الهندسي التي تختلف جذرياً، ففرنسا أم النظام «المتري».. أمتار، وسنتيمترات، وكيلوجرامات.. وأما بريطانيا فهي موطن النظام الإمبراطوري في القياس.. بوصات، وأقدام، وأرطال. ولكن بالرغم من ذلك، كان تصميم الطائرة وإنتاجها المشترك ناجحاً لدرجة أنه منذ دخولها الخدمة منذ حوالى نصف قرن، لم تنافسها أي طائرة تجارية في الأداء.. كانت ولا تزال الطائرة الوحيدة التي كانت تُحلِّق لساعات طويلة بسرعة تفوق ضعفي سرعة الصوت على ارتفاع ستين ألف قدم.. أي ما يعادل حوالى ألفين كيلومتر في الساعة، وهي أسرع من جميع الطائرات المدنية بما يزيد عن الضعف، بل إنها أسرع من معظم الطائرات العسكرية اليوم. وتميزت الكونكورد بعدة إبداعات هندسية فريدة أُلخصها في التالي: كان تصميم جناحها المثلث فريداً، لدرجة أنه كان يسمح بتطويع التيارات الهوائية بطرقٍ تضمن الأداء المتميز على السرعات العالية، وعلى الارتفاعات الشاهقة، حيث تكون كثافة الهواء منخفضة جداً.. ومن العجائب أيضاً أن سرعة الطائرة كانت محددة بدرجة حرارة بدنها.. وذلك بسبب احتكاك الهواء على السرعات العالية التي كانت تصل إلى ما يكفي لطبخ «الشكشوكة» على سطحها، وكانت قريبة من درجة الخطورة على معدن الطائرة.. وكانت تلك الحرارة المرتفعة تتسبب في تمدد بدن الطائرة بمقدار يعادل تقريبا طول كف اليد.. وأما على السرعات المنخفضة، فكان أداؤها مذهلاً أيضاً.

لم تحتوِ على «القلابات» Flaps التي تكون إحدى المكونات الأساسية لجميع الطائرات لدعم الطيران على سرعات منخفضة، وكان التحكم في الطائرة على تلك السرعات من خلال محركاتها الأربعة الجبارة.. وعلى سيرة المحركات، فلابد من الذكر أن تلك الطائرة استخدمت آلية عبقرية لكبح سرعة الهواء قبل أن يدخل إلى المحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت.. كان التحدي يتلخص في تقليص سرعة دخول الهواء إلى قلب المحركات لتيسير عملية سحبه، وضغطه، واحتراقه، ثم دفعه إلى الخلف. ولإدارة صعوبة حركته، وضعت بوابات وقنوات في الجزء الأمامي من المحركات لتطويع التيارات الهوائية العنيفة. وقد نجحت شركة «رولز رويس» البريطانية المصنعة للمحركات في تحقيق ذلك، ولكنها كانت تعاني من ارتفاع معدلات استهلاك الوقود الهائلة للراكب الواحد التي كانت تعادل حوالى أربعة أمثال استهلاك الوقود للبوينج 747 الجامبو الأكبر حجماً. وعلى سيرة استخدام الوقود، فكانت الطائرة الفريدة تحتوي على 13 خزان وقود عملاقا بداخل بدنها وجناحيها لحمل حوالى مائة ألف كيلوجرام من الوقود. ولم تكن تلك الكمية لتغذية المحركات العطشة فحسب، بل كانت تستخدم للتحكم في ثبات طيرانها من خلال إدارة مركز ثقل الطائرة. وأختم القول بأن إحدى أغرب عجائب تاريخ الكونكورد، أن سعر بيعها المُسجَّل من الحكومة البريطانية إلى الخطوط البريطانية وصل في بعض الأحيان إلى ما يعادل سبعة ريالات فقط لكل طائرة، والتعليل هو أن الخطوط كانت بمكانة المشغل للطائرات التي بنتها الحكومة على حساب دافعي الضرائب آنذاك.

* أمنيــــــة:

أنهت الشركتان البريطانية والفرنسية عمليات الكونكورد وإحالتها للتقاعد المبكر بتاريخ 2003، ولكن ذكرى تلك الطائرة لا تزال معنا، وخصوصاً أنها وضعت بعض الأسس لتكوين مجموعة «إيرباص» الأوروبية.. وقد حاولت بعض الشركات تقديم ما يُشبه الكونكورد بدون نجاح.. منها شركة «بوينج» الأمريكية بطائرتها من طراز 2707، وشركة «توبولوف» الروسية بطراز 144، واليوم هناك شركة «بوم» الأمريكية التي تحاول تقديم البديل.. أتمنى أن يُسطَّر تاريخ الطائرة بدقة، فهي جديرة بالذكر، والتوثيق لمحبي عالم الطيران. وللموضوع بقية إن شاء الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store