Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

حتى لا تختفي ملامحنا مجدداً

A A
كما أن لكل إنسان ملامح معينة «جسدية ومعنوية» تُميِّزه عن غيره، وتمنحه هوية محددة، وقدراً نسبياً من الجاذبية والجمال في عيون ونفوس الآخرين، فإن لكل بلد - بالمثل - ملامحه الخاصة التي تقفز إلى الأذهان بمجرد ذكر اسم ذلك البلد، مانحةً إياه هوية خاصة وسمات تتباين في إيجابيتها وسلبيتها.. ومثلما يحرص الناس على حُسْن شكلهم وسمعتهم، وإظهار أجمل ملامحهم بالتزين والتأنق، بل وحتى بقيام بعضهم بتبديل ملامحهم الطبيعية بملامح جديدة مصطنعة عبر عمليات التجميل، فإن الدول أيضاً تحرص على جمال ملامحها وتتأنق لزوارها، وتبدي لهم أجمل مزاياها وأكثرها جاذبية، وتستعين في سبيل ذلك بمهارات ومفاهيم عديدة اكتسبت مؤخراً رواجاً لافتاً، من قبيل القوة -الناعمة، وسمعة- الدول، وتسويق - الدول... وغيرها.

وحول ملامحنا الجميلة، كتبت عام 2016 مقالاً في هذه الصحيفة بعنوان: (عندما نخفي وجهنا يرسمه الآخر كما يشاء)، أشرتُ فيه إلى أن إخفاءنا لعقود طويلة لأجمل ملامحنا؛ سمح لأعدائنا برسم صورة مشوَّهة لنا، مستغلين في ذلك غموضنا، وجهل الآخرين بنا، وعدم معرفتهم بحقيقتنا عن قرب. ومع ثورة المعلومات التي جعلت العالم قرية صغيرة، فإن عدم تمكُّن شعوب العالم من رؤية تلك الملامح بوضوح، جعلهم أكثر قبولاً لتصديق أي حملات تشويه تقوم بها أطراف معادية، وساهم بإعطاء تلك الحملات تأثيراً ومصداقية، ومكَّنها من ‏رسم وجهنا الذي أخفيناه عن العالم بالشكل الذي يريدون، وهو غالبا ما يكون وجهاً مشوَّهاً ومخيفاً وغير حقيقي.. ‏وما تكرارنا المستمر لعبارات من قبيل: «إنهم يكرهوننا»، «إنهم لا يفهموننا»، «إنهم يعادون ثقافتنا»، إلا انعكاساً لتلك الصورة التي ساهمنا نحن قبل غيرنا بحفرها في أذهان الآخرين، عبر إخفاء وجهنا الجميل عن العالم لعقود طويلة.

ومع بزوغ رؤية 2030 الميمونة؛ تغيَّر كل ذلك، حيث حررت هذه الرؤية عناصر ملامحنا الجميلة من القيود التي كبَّلتها طويلاً، ووفرت لها كل الدعم والإمكانات اللازمة التي تُمكِّنها من تعريف العالم بكنوزنا الناعمة التي يصعب حصرها، من ثقافة وفنون، وآثار وتراث، ومنجزات علمية ورياضية، وتمكين وتنوع بيئي وثقافي، وقيم سياسية واجتماعية، وغيرها.

وبالرغم من ضخامة هذا المنجز وأهميته، إلا أن الصورة لم تكتمل بعد بالشكل المأمول، حيث أصبح الناظر لها يرى أجزاءً عديدة متفرقة، يُغرِّد كل منها على حدة بقليل من الترابط والتناغم. والسبب ببساطة هو عدم وجود تصوُّر واضح يُجيب على السؤال الجوهري: (ماذا نريد نحن أن نكون؟).. ما هي السمة - أو السمات - الأهم التي نريدها أن ترتبط بنا، والتي تُمثِّل لنا أولويات قادرة أكثر من سواها على التعبير عن هويتنا، وتحقيق أهدافنا ومصالحنا دون أي تعارض وازدواجية فيما بينها؟.

لا شك لديَّ بأن السعي الطموح في كافة الاتجاهات هو أمرٌ مفيد، ولكن شريطة أن يكون ذلك في ظل وجود أولويات مدروسة، تحول دون تداخل وتصادم «ألوانَ ملامحنا» بشكل يمكن أن يؤدي لذوبان تلك الملامح واختفائها مجدداً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store