Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

هل اقتربت القيامة ؟!

A A
سؤال وجودي يطرحه المؤمن والكافر، ويضمره البعض ويظهره البعض الآخر، حتى يكاد يكون السؤال الأكثر طرحًا من قِبَل البشر على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وألوانهم. هذا السؤال يأتي في صور متعددة مثل: متى الساعة؟ متى تقوم القيامة؟ أيان مُرسى الساعة؟ هل اقتربت القيامة؟... وغيرها من الأسئلة القلقة التي يطرحها الإنسان في سبيل إيجاد إجابة لسؤاله الوجودي؛ الذي يرى في الإجابة عليه تفريجًا لبعض قلقه. يطرح المسلم السؤال ليس من باب الشك أو الإنكار للقيامة؛ وإنما من باب التهيئة والاستعداد لكُرُباتها وأهوالها، وإلا فهو مؤمن بوقوعها، وذلك عندما يأذن الله بنهاية هذا العالَم وخرابه، يطرحه من باب ترسيخ الإيمان الذي تغدو القيامة (اليوم الآخر) أحد أركانه الستة، وفي المقابل يطرح الكافر السؤال من باب الشك وربما من باب الخوف والقلق على حياته الدنيا، التي لا يريد فناءها أو خرابها.

لعل أشهر الأسئلة حول القيامة سؤالان: السؤال الأول عن وقت قيام القيامة، وهذا سؤال لا جدوى من طرحِهِ، والإجابةُ عنه لا يستطيعها البشر وليس بمقدورهم ذلك، وحسمُ الإجابة عنه عند الله وحده؛ ففي القرآن نجد: (يسألونك عن الساعة أيَّان مُرساها، قل إنما علمها عند ربي لا يجلِّيها لوقتها إلا هو)، وفي هذا تأكيد على أن نهاية العالم وقيام القيامة أمر اختص به الله ولا يعلم توقيت ذلك إلا هو.

السؤال الأخير يُطرح نتيجة ما يستجد في العالَم من أحداث وكوارث، وفتن ومآسٍ، وويلات وفساد وإفساد، وعلامات حادثة ومنكرات كلها تشي باقتراب القيامة، وهنا ينبعث السؤال الذي يغدو للمسلم محرِّضًا على التفكير في واقعه وعلاقته بربه، ويغدو حاثًّا له على التوقف عن الاندفاع وراء شهواته، ولذا يأتي هذا السؤال لا بغرض الجزم والقطع بتحديد التوقيت اليقيني لقيام القيامة، فهذا كما ذكرتُ محال وعلمه عند الله؛ وإنما بغرض الاستئناس بتلك العلامات والمستجدات والأحداث والكوارث التي ذكرتُها آنفًا، والغاية من ذلك زيادة الحذر والاستعداد لليوم الموعود بالتخفف من العلائق الدنيوية التي تغدو يوم القيامة حِملًا ثقيلًا وأغلالًا لا طاقة للإنسان بها.

المسلم يُسلِّم بأمر القيامة لله ولا يجادل في ذلك ولا يعمد للظن الحدس والتوقعات، ويبقى أمامه سؤال (مفتوح ومشروع) وهو: هل اقتربت القيامة؟ هذا السؤال يأتي نتيجة ما يستجد على البشرية (مسلمها وكافرها) من أمور لم تكن معروفة، ومن آيات كونية آخذة في التزايد، ولذا تزداد الأسئلة بازدياد هذه الآيات والحوادث والمستجدات؛ كازدياد الزلازل والكوارث وتنامي الإلحاد وتفشي المنكرات في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، واضطرابات المناخ، وما يُقال عن توقف حركة نواة الأرض، وزيادة الهرج (القتل) فضلًا عن التطاول في البنيان، وغير ذلك مما ورد في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ومما استجد. لكنني -ومن منظورٍ اجتهاديٍّ- أرى أن هناك أمرًا ربما يُعد علامة فارقة تدل على اقتراب القيامة، وهذا الأمر يتمثل في أن البشرية منذ أن أنزل الله آدمَ على الأرض حتى قبل حوالى (قرن ونصف القرن) وهي تعيش الواقع نفسه بمعطياته البسيطة التي لم تتغير ولم تتطور كثيرًا، فنجِد مثلاً أن أدوات الزراعة ووسائل المواصلات وأدوات التواصل ووسائل التطبيب والصيد ومحاضن التعليم (هي هي) لم تتطور كثيرًا، لكننا نجد الحياة اليوم في كل شؤونها وظروفها وألوانها قد تغيرت تغيرًا جذريًّا، وبشكل لا يقبل المقارنة مع ما كان خلال حياة البشرية منذ أن وُجدت حتى قبل النهضة الحديثة، ولذا أرى أن هذا يشي بنهاية مبلغ الإنسان من العلم والتطور وعمران الحياة، وأنه ليس بعد بلوغ القمة إلا الانحدار والنهاية المقرونة بالخراب، وهذه النهاية (ربما) أنها اقتربت. هذا مجرد اجتهاد، وإلا فالقيامة (لا يُجلِّيها لوقتِها إلا هو) سبحانه وتعالى.

ومضة:

كلُّنا فانٍ.. ويَبقى وجهُهُجلَّ ربًّا ولهُ الكونُ خضعلم نزلْ نرتعُ في غفْلاتِنالا نبالي إن يكن ذنْبٌ وقعْ

‏هكذا العُمْرُ يُقضَّى وإذا‏»وقعَ القولُ» فلا عُمْرٌ رجعْ

‏جفتِ الأقلامُ ما مِن مهربٍوتبدَّى الهولُ وازدادَ الهَلعْ

‏حينَها ما ثَم منجًى يُرتجىغيرَ عفوٍ منه للذَّنْبِ يَسعْ

‏‫#محسن‬

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store