Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

تسليع المرأة في الإعلام

A A
عملتُ في بداية حياتي الوظيفية في شركة توزيع مطبوعات تتولى توزيع مجموعة من أشهر الصحف والمجلات العربية، ومن ضمنها مجلة أسبوعية خليجية معروفة كانت تبيع في المملكة كميات ضخمة أضعاف ما تبيعه في البلد الذي تصدر منه.. وكانت المجلة قبل صدور كل عدد، ترسل لشركة التوزيع ثلاثة أغلفة مقترحة يحمل كل منها صورة امرأة، لتقوم إدارة التسويق باختيار الصورة الأكثر إغراءً وجاذبية، حيث كانت مبيعات العدد تزداد بشكل ملحوظ كلما زادت الصورة إثارة وفتنة. والواقع أن مطبوعات أخرى كانت تلجأ لهذا الأسلوب، ومنها إحدى الصحف الخليجية اليومية ذات المحتوى السياسي البحت، والتي كانت تنشر يومياً على صفحتها الأخيرة صورة ملونة مثيرة لامرأة، دون حتى تعليق مصاحب.

ما سبق يوضح بأن تسليع جسد المرأة في الإعلام العربي عموماً ليس بالأمر الجديد، وهو بكل تأكيد ليس جديداً أيضاً في الإعلام الغربي، وقد سنحت لي فرصة المقارنة بينهما عن قرب بعد تركي العمل في شركة التوزيع، وانتقالي للعمل والدراسة في العاصمة الأمريكية واشنطن والتي امتدت طوال فترة التسعينيات، وكان أول ما سمعته هناك حول هذا الموضوع من قبل إحدى أساتذتي في الجامعة ضمن مادة أخلاقيات الإعلام، حيث وصفت الأستاذة هذه الممارسة بأنها غير أخلاقية مهنياً، وتنتقص من مكانة المرأة وفكرها وكرامتها.

وبالرغم من أن هذه الممارسة ظلت موجودة حتى اليوم في الإعلام والإعلان الغربي، إلا أنها كانت -ولا تزال- تواجه بمقاومة ورفض من قبل المؤسسات التعليمية والمنظمات الحقوقية، والمجموعات النسوية، بل وحتى بمواجهات قانونية تعتبرها عنصرية ومنحازة ضد المرأة نفسها.

واستمر هذا الرفض في الغرب حتى بعد ظهور وانتشار الإنترنت، ثم شبكات التواصل.. بعكس الحال عربياً، حيث كانت تلك الممارسة تنمو وتزداد بسرعة كبيرة، وكأنما جسد المرأة وجمالها لدى العرب هو كنز جديد تم اكتشافه، والتهافت لاستغلاله تسويقياً بأقصى قدر ممكن.

أتساءل مثلاً بهذا الصدد، كيف يمكن -مهنياً وأخلاقياً وقانونياً- تفسير ملاحظة كون جميع مذيعات بعض القنوات الإخبارية بمواصفات شكلية واحدة محددة؟ أليس انتقاء المتقدمات وفقاً للون أو الوزن أو العمر أو (الجمال) عموماً، تمييزاً يمنعه القانون، ناهيك عن عدم أخلاقية ومهنية ذلك. مع ملاحظة الضعف الواضح لبعض المذيعات في اللغة والتقديم، والمبالغة في المكياج، وتحويل استديوهات الأخبار بشكل متكلف إلى «مدرجات» لعرض الأزياء والجَمَال.. وأكرر بأن كل ذلك في قنوات إخبارية متخصصة.والأمر لا يقل سوءاً في الإعلانات والدعايات، بل وحتى في بعض المطاعم والمقاهي والمتاجر التي توظف فتيات بمواصفات وأزياء محددة، لا عمل لهن سوى استقبال وتوزيع الابتسامات على الزبائن. والأسوأ من كل هذا وذاك تهافت شركات الإعلانات على مشهورات شبكات التواصل ذوات المحتوى الهابط تحديداً، وتحويلهن إلى نجوم ورموز.

دعونا ختاماً نتفق بأن هذا الأمر لا علاقة له من قريب أو بعيد بتمكين المرأة وحقوقها وكفاءتها، بل هو استغلال لها، وانتقاص من قيمتها وفكرها وكرامتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store