Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

‏سكن الحجاج.. الجودة وتحديات البيئة (2)

A A
‏تولي المملكة العربية السعودية جُلَّ اهتمامها بخدمات الحجاج وتجعله من أولوياتها، وذلك منذ تأسيس الدولة على يد الباني الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- مروراً بأبنائه الكرام.

وقد جاءت رؤية ٢٠٣٠م باستضافة ٣٠ مليون معتمر وأكثر من 4 ملايين حاج؛ لتلبية طلب المسلمين في أنحاء المعمورة لأداء الفريضة، وفي نفس الوقت استثمار الموسم في الدخل القومي، والذي يُمثِّل حوالى ٧٠ مليارا من الناتج المحلي السعودي، ومن المتوقع أن يصل إلى (٣٦٠ مليار ريال) في عام٢٠٣٠م.

‏نعود للمقال السابق، الذي نوهتُ فيه عن الدراسة: (استخدام البيوفيليا في التصميم الداخلي للمباني الحالية لإسكان الحجاج والمعتمرين، لتحسين تجربة ضيوف الرحمن في قطاع الإيواء- إسكان الحجاج بمشعر منى نموذجاَ)، وقامت بها الباحثتان: رؤى مشاط، وفريدة المرحم. ومعنى (التصميم البيوفيلي) Biophilic design هو: التصميم المرتبط بالكائنات الحية، وأهمها النباتات والأشجار التي تساعد على توفير بيئة طبيعية، وتطلق كميات هائلة من الأكسجين تساهم في تعديل مكونات الهواء، كما أنها تساهم في تنقية الهواء، حيث تمتص نسبة كبيرة من ملوثات البيئة السمية مثل: الفورمالدهيد، والتولين، والزيلين، والأمونيا.. وغيرها.

وتؤكد الدراسة على انخفاض معدل نصيب الفرد من المساحات الخضراء بمكة ما بين شهري ذي القعدة وذي الحجة لتصل إلى (0.7 م٢) من المساحة الخضراء، لعدد (3.684.858) فرداً، وهذه المساحة لا تسمح بامتصاص المعادلات العالية من الملوثات البيئية، مما يساهم في زيادة معدلات الإجهاد والقلق والتوتر عند الحجاج. كما أن نظرية البيوفيليا التي أطلقها عالم الأحياء الأمريكي إدوارد ويلسون عام 1984م تقوم على حب البشر للطبيعة، وأنه جيني.. ولكننا لا نُركِّز على هذا الحب بقدر تركيزنا على أهميته الصحية للحجاج، من حيث تجدُّد الهواء في الحجرة بفتح النوافذ لإخراج الهواء الضار، وكذلك دخول الشمس وقتل الميكروبات والجراثيم؛ خاصةً أن بعض الحجاج من بيئات مختلفة، وعدم وعيهم بضرر ترك المخلفات على الصحة والبيئة وعدم النظافة اليومية المستمرة للغرفة!!

فاستخدام التصميم البيوفيلي هنا ليس لتحقيق الجانب الجمالي في وجود النباتات والأشجار الطبيعية في زوايا الغرف والممرات والصالات فقط؛ وإنما مدى تأثير هذا النظام على صحة وسلامة الحجاج من الناحية السيكولوجية والجسدية.

كما تؤكد الدراسة بأن الصورة الجمالية في ذهن الحاج، ومنها الروائح العطرة التي قد تطلقها بعض الزهور والنباتات، تترك أثراً في الاسترخاء وتقليل التوتر، بل تترك أثراً لا يُنسَى في نفس الحاج.. هذا فضلاً عن تنقية الهواء، حيث إن بعض النباتات لها قدرة على امتصاص الغبار، بل يساهم في التقليل من ارتفاع درجات الحرارة.

وقد اقترحت الدراسة استخدام الحدائق الرأسية على مباني إسكان الحجاج، وهي عبارة عن جدار مغطَّى بالنباتات جزئياً أو كلياً، ويغطي واجهات المباني، وكذلك اقترحت الأسطح الخضراء؛ وهي تحويل أسطح المباني إلى حدائق، وهي تجارب رائدة في معظم دول العالم كما في ألمانيا، وأمريكا، وسنغافورة، والصين. هذا فضلاً عن استخدام النباتات الداخلية في الزوايا والأركان للغرف، لأن هناك بعض أنواع النباتات الخاصة التي تمتص السموم الداخلية، كما تمتص الأصوات المزعجة، وأن تكون هذه المقترحات على أبراج منى الستة، والتي يتكون كل برج منها من 13 طابقاً، ويشمل الدور ما بين 11 إلى 16 غرفة، بمساحة كلية 36م ونموذج آخر بمساحة 33م.

وطبقت معايير النظام البيوفيلي في أحد نماذج الأبراج القائمة في منى، باستخدام الغطاء النباتي الداخلي والخارجي والأسطح الخضراء.

نتمنى ألا تبقى هذه الدراسة وأخواتها على رفوف مكتبات الجامعة، وأن تطبق في الميدان في الإسكان في مكة والمشاعر المقدسة لتحسين البيئة في ظل التوجه نحو تجديد الخيام الحالية، والتي انتهى عمرها الافتراضي، حيث مضى عليها أكثر من 40 عاماً.

وأخيراً، هناك سؤال مهم وملح في آنٍ واحد: هل ستقوم (شركة كدانة) وهي الذراع التنفيذي للهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بأخذ هذه الاعتبارات عند إعداد التصاميم الجديدة دون وضع المسؤولية على شركات الطوافة؟!، وهل سيتم تغيير كود البناء السعودي وتطويره ليتوافق مع متطلبات تطبيق مثل هذه الدراسة وخاصة في ظل مبادرة (السعودية الخضراء) التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لتحسين البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية، وأن تشمل أيضاً المباني التعليمية لحماية صحة أبنائنا؟.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store