Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

تنقية التراث الشرعي

A A
يعرف التراث بمفهومه الشامل بأنه كل ما ورثته الأجيال الحالية من الأجيال الماضية من العادات والتقاليد الاجتماعية والآداب والقيم والمعارف والثقافة بمختلف صورها.

ويعرف من الزاوية الشرعية بأنه كل ما ورثته الأجيال الحالية من الأجيال السابقة من العلوم والمعارف والقيم والفتاوى الخاصة بالجانب الشرعي التي كتبها الشخوص المدونة في الكتب الشرعية كالفقه والتفسير والفتاوى والمخطوطات ونستثني من ذلك بالطبع كتاب الله تعالى القرآن الكريم لأنه لا يدخل ضمن منظومة التراث لأنه ثابت وغير قابل للتغيير والتنقية كونه كلام الله تعالى الذي ضمن له الحفظ والبقاء إلى يوم القيامة كما قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أما أقوال البشر مهما بلغ علمهم وتقواهم فهي قابلة للنقد والتعديل ولعل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث وأقوال وأفعال تقع تحت ظل هذا المفهوم لأنه عليه الصلاة والسلام بشر مثلنا كما ورد في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) ولأن ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال في كتب الحديث تمت عن طرق النقل من الأفواه بعد مرور أكثر من قرنين من الزمان بعد ما خالفوا أمره عليه الصلاة والسلام كما ورد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني شيئاً فليمحه) رواه مسلم.

ولعل التنقيح الذي كان يفعله رواة الأحاديث يؤكد أن الكثير من تلك الأحاديث التي رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير صحيحة ومكذوبة على رسول الله فعلى سبيل المثال أن البخاري جمع 600 ألف حديث واستخرج منها وضمه لكتابه 7563 حديثًا منها الكثير من المكررات وبعد حذف تلك المكررات يتبقى حوالي 2600 حديث فقط، وفي جانب آخر نعلم حجم الخلاف الذي كان بين أئمة الفقه في رواياتهم عن الكثير من الأمور الشرعية وما حدث نتيجة لذلك من ظهور مئات المذاهب والشعب والطوائف نتيجة لتلك المكذوبات والمحرفات والتي فرقت الأمة الإسلامية حتى أصبحت كل فرقة منها تدعي أنها على حق وغيرها على باطل ثم تحول ذلك الخلاف الفقهي إلى أدوات سياسية يتخذها البعض سلاحاً لتقوية حكمه وسطوته تحت عباءة الدين ولسنا ببعيد عن المحرمات التي بلغت الآلاف تحت مظلة تلك المذاهب وشيوخها والتي أصبحت تتهافت يوماً بعد آخر مما يؤكد كذبها وعدم صحتها.

ومن هذا المنطلق أتمنى من الجهات الشرعية الإسلامية أن تتولى تنقيح وتصحيح التراث الشرعي الذي ثبت في كتاب الله تعالى الذي أكمله الله وأتمه ولم يفرط فيه من شيء وفصله تفصيلاً وهو الثبوت القطعي الذي يستوجب الالتزام به ولعل هذا المشروع العظيم يبدأ تنفيذه في هذا البلد العظيم الذي انطلقت منه الرسالة المحمدية ويقيني أن ذلك سيحدث قريبًا ضمن رؤية المملكة 2030 الشاملة لكل مناحي الحياة.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store