Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

الدرعية.. بداية التأسيس واستلهام المستقبل

A A
‏تحتفل المملكة اليوم بيوم التأسيس، الذي صدر فيه قرار ملكي العام الماضي باعتبار 22 فبراير من كل عام احتفاءً بتأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727م، وذلك قبل ثلاثة ‏قرون، على يد المؤسس للدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، وكان موطن القيادة «الدرعية»، فهي المدينة التي انطلق منها لتأسيس الدولة.

ثم جاء تأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1824م، ثم تأسَّست الدولة السعودية الثالثة على يد الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1932م.

أطلق المؤرِّخون كلمة (إمام) على هؤلاء القادة، لأن الإمامة في الإسلام تعني (الخلافة)، وأنه خليفة المسلمين الذي يتم معاهدته على السمع والطاعة على كتاب الله وسنة رسوله، لأنهم أقاموا الدولة على الشريعة الإسلامية، وجعلوها دستوراً للحكم، فوجب طاعتهم.

‏لقد قامت الدولة السعودية المباركة على كفاح أولئك الأبطال، الذين لم يخضعوا يوماً للإملاءات الخارجية، أو ينحنوا لزعامات إقليمية استعمارية، بل جاهدوا للحفاظ على وحدة الجزيرة العربية، التي كانت تعاني الفرقة والتناحر والشتات بين القبائل نفسها، ولكن الصفات والمواهب الأخلاقية التي منَّ الله بها على هؤلاء الحكام، من الحكمة والصبر، والعدل، والأمانة، والشجاعة، جعلت من التأسيس والوحدة الوطنية أمراً أساسياً. وقد كانت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى والثانية، لأهمية موقعها الجغرافي، حيث تمر بها القوافل التجارية بين الشمال والجنوب والشرق، وتأتي إليها البضائع، مما ساهم في تحسُّن المستوى الاقتصادي للعربان في تلك المنطقة. بل كانت تمر بها قوافل الحجاج الذاهبين إلى مكة والمدينة، فيتزوَّدون فيها من الطعام والشراب.

‏كما أن هذه العاصمة - بالإضافة إلى تمتعها بالموقع الجغرافي المميز - اهتم بها أيضاً مؤسِّسو الدولة بجعلها انطلاقة الدعوة الإصلاحية التي جاء بها الإمام محمد بن عبدالوهاب، للقضاء على البدع والخرافات التي انتشرت في الجزيرة العربية، ومنها عبادة الأولياء والصالحين، والأشجار، وزيارة القبور، ونحوها من البدع.

كما انطلقت منها الحملات العسكرية لتوحيد أجزاء الدولة المترامية الأطراف. بل تعتبر أول مدينة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة في التنظيم الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. وهي شاملة للتنظيم الحضري بإنشاء (حي الطرفية) بالإضافة إلى (حي قصيبة)، وجعلها مركزاً للحكم مما ساهم في الاستقرار الإقليمي للدولة.

‏بعض من هذه المعطيات التاريخية القيِّمة كانت ولا زالت تُدرَّس في مناهجنا، ولكن بأسلوب تقليدي من الإلقاء والحفظ والاستظهار، ومثل هذه الأساليب يصعب أن تبث الروح الوطنية والانتماء في نفوس الجيل كما ينبغي؛ فالتاريخ بدون تحليل وقراءة واعية وقصص الكفاح ومعطيات النجاح للدولة؛ لن يكون له أثر في نفس المتلقِّي من الجيل الجديد، الذي يمتلك الوعي الكافي للتمحيص والدراسة، في ظل التقنيات الحديثة والانفتاح؛ فلا يقبل نمط المدرسة التقليدية، وإنما يتجه نحو الوقوف على الأحداث وتحليلها. وهذا ما تقوم به رؤية المملكة ٢٠٣٠م بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتعزيز الهوية الوطنية في الأجيال الجديدة، وغرس القيم والمبادئ التي تُعزِّز الانتماء للوطن.

وما مشروع (بوابة الدرعية) إلى أنموذجا جيداً لاستجرار الماضي، وجعله ماثلاً أمام الأجيال الجديدة؛ حيث يُسلِّط الضوء على أكثر من 300 عام من الثقافة والتاريخ، وتقديم التجارب التعليمية، والمعيشية، والسكنية بالنمط التراثي للمنطقة في المباني الطينية، التي أُدخلت ضمن التراث العالمي في اليونسكو، والهدف من المشروع: الحفاظ على الإرث التاريخي للمدينة. وقد أُقيمت الكثير من المشاريع الحضارية فيها، والتي تسهم في استقطاب ٢٧ مليون زائر بحلول ٢٠٣٠م، وتعد داعماً للإستراتيجية الوطنية للسياحة.

ما نأمله من بوابة الدرعية وضع رسوم للتذاكر بتخفيضات خاصة للطلاب، لاستقطاب أكبر عدد منهم لتعزيز الانتماء الوطني، فاطلاعهم على مجد الآباء والأجداد وصور الكفاح التي قادوها لتأسيس الدولة في (حي البجيري) و(متحف آل سعود) وبقية المتاحف والمرافق، يعمل على توسيع آفاقهم نحو الثقافة، والتراث الوطني، والضيافة العربية الأصيلة.. وغيرها من المقومات لإبراز عظمة هذه الدولة.

‏كما نأمل عمل دعوات خاصة لكُتَّاب الرأي من مناطق المملكة؛ لإبراز هذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ، والسير نحو المستقبل، فمن سمع ليس كمن رأى وشاهد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store