Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

أخلاق الحضارة

A A
- كان (جان جاك روسو) يعتقد أنّ الحضارةَ والمدنية، أخرجت الإنسانَ من حالته الحُرة الطبيعية حيث الطُّمأنينة والعيش الرضي، إلى حالةٍ من الانحطاط والفساد الأخلاقي، فقد كان يرى أنّ الإنسان طيّب في فطرته، لكن المجتمع يُفسده.

- يُقال إنّ «الإنسان كائنٌ أخلاقي»، لكنّ الواقع يشير إلى أنّه أقرب إلى التوحّش والتسفّل من التحضّر والترفّع، يقول قدّيس الأدب الروسي (ليو تولستوي): «والإنسانُ كالحيوان.. متى رأى إنساناً آخرَ مكسور القلب مهيضَ الجناح، عمل على تحطيمِه وإهلاكه».

- بعض التجمّعات البشرية مُتخلّفة لأنها غير مُنتجة، والسبب في أنها غير مُنتجة، هو أنها خارج الحضارة، مُستهلكةٌ وعالة على غيرها من الشعوب التي صنعت حضارتها بنفسها، والتحدّي لها يكمن في كيفية عودتها لمسار «التحضّر»، ولا أقولُ «التّمدْيُن»، يقول الدكتور (زكي نجيب محمود): «نحن مُتخلّفون.. نشتري الحضارة مثل أيّ أبله».

- تدين البشريةُ جمعاء، لقلّة قليلة من المُبدعين الاستثنائيين المُجدّدين، ولولاهم، لما كانت الحضارةُ الإنسانية ممكنة.. إنهم أولئك الذين تفرّدوا وخرجوا عن السائد والمألوف.. إنّهم الندرةُ القليلة وسط الجموع التابِعة المُسيَّرة الهوجاء، يقول (سيغموند فرويد): «بدأت الحضارة فعلاً، عندما قام رجلٌ غاضب بإلقاء كلمةٍ بدلاً من حجر».

- بحسْب السُّنن الاجتماعية، فإنّ ازدهار الحضارة الحديثةِ باختراعاتها واكتشافاتها المُذهلة، إضافة إلى سلوكيّات البشر الخبيثة (كالترف والظُّلم والفساد الأخلاقي)، تُعطي إشارةً قويّة على أن البشرية بحضارتها، تسير مسرعةً في طريق الفناء والهلاك، يقول (روسو): «إنّ الحضارات العظيمة، تضمحلّ تحت وطأة تقدّمها العلمي والفني».

- «الإنسان حيوان مُتديّن».. أي أنه في أصله وسلوكه يلتزم عقيدةً أو اعتقاداً «دينياً» مهما ترقّى في سلّم الحضارة، ويبدو لي أنّ العاطفةَ لديه أقوى من العقل، وهما يترابطان بروابط عضوية واعية وعمق لا واعي، والعاطفة العاملُ الحاسم في الإنجازات الكُبرى للحضارة البشرية، وليس العقل، يقول المؤرّخ (أرنولد توينبي): «الدّين، هو العمل الجاد للجنسِ البشري».

- لعلّي مثاليُّ حالم، لكني أظنّ - بعيداً عن التنافس والتعاون أنّ الهدف الحقيقي الأسمى للإنسان، أن يجلس مُنعزلاً، بعقلٍ هادئٍ ونفس ساكنة متّصلة بذاتها، منسجمةٍ مع الطبيعة، وروحٍ تنشد الصّفاء، متفرّغةٍ للطمأنينة والشعور بالرّحمة، واكتساب المعرفةِ والحكمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store