Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

وصل اللاعب الصيني إلى حلبة (حرب أوكرانيا)

A A
أخيراً قرر الصينيون دخول حلبة الحرب الأوكرانية. في نفس الوقت تقريباً الذي ذهب فيه، الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى كييف في زيارة للتذكير بمرور حوالى عام على الهجوم الروسي على أوكرانيا، وخطابه من وارسو، التي أصبحت جزءاً من الإستراتيجية الغربية بزعامة أمريكا بعد أن كانت رمزاً (لحلف وارسو) الذي أقامه الاتحاد السوفيتي حينها لمواجهة (حلف الناتو)، وكان الحلف من ضحايا انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي نفس الوقت أيضاً كان فلاديمير بوتين يلقي خطاباً موجهاً إلى الأمة، في الاتحاد الروسي، أمام الجمعية الفيدرالية بموسكو.

خطاب الرئيس الأمريكي وتصريحاته حملت كل معاني التحدي لروسيا والدعم، الذي يكاد يكون لا محدود، لأوكرانيا في حربها للدفاع عن أراضيها. وفي المقابل كان خطاب الرئيس الروسي تحدياً للغرب، والتعبير عن أن روسيا أصبحت هدفاً يرغب الغرب في تحطيمه، وأن موسكو لن تتوانى عن استخدام قواها النووية إذا تم حشرها في ركن.

دخلت الصين كصانع سلام، لا محارب ولا حتى حكماً. طرحت مبادرة سلام في أوكرانيا أثارت الكثير من التساؤلات في أوروبا وروسيا، بل عبر الرئيس الأوكراني عن أنه سيدرسها متى وصلته. وأقدمت الصين بعد وقت قصير، في 21 فبراير، على طرح مبادرة أوسع تحت مسمى: مبادرة الأمن العالمي The Global Security Initiative. وصاحب هاتين المبادرتين زيارة وزير الخارجية الصيني لهلسنكي، لحضور مؤتمر أمني مع رفاقه الأوروبيين وأمريكا، وجرى كلام كثير في الكواليس حول ما يستهدفه الصينيون من المبادرة الأولى والثانية، ثم طار وزير الخارجية الصيني مع وفد بلاده إلى موسكو لمقابلة الرئيس الروسي والقادة الروس الآخرين، ومن الواضح أن بكين لم تكتف بإبداء تصوراتها حول ساحة الحرب الأوكرانية فحسب، بل دخلت مباشرة في حوار مع واشنطن عبر مبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها. فساحة الحرب في أوكرانيا يسعى الغرب لجعلها تكريساً لزعامة أحادية أمريكية للعالم، ولا يعتبر الغرب، أو بالأصح أمريكا، أن الصين يمكن أن تكون شريكة في قيادة العالم إلى جانب الدول الغربية، بل ترى أن هناك دوراً ثانوياً يمكن للصين أن تلعبه، وبقبول وإشراف أمريكي، ويظهر أن الصين تقول للغرب، عبر هذه المبادرة، أن لها رأيها في كيفية سير هذا العالم.

وتتضمن مبادرة الأمن العالمي الصينية، عدداً من المبادئ الأساسية بما فيها احترام السيادة الوطنية لكل دولة على أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام خياراتها في نظمها الاجتماعية وطرق نموها، واعتبار أن الأمن العالمي جزءاً لا يتجزأ، ولا يكون أمن أي دولة على حساب أمن دولة أخرى، والابتعاد عن العقوبات الاقتصادية لمعاقبة الدول، بل الاعتماد على الحوار. وهناك بنود أخرى حول هذا الأمر، مما يجعلها أساساً قد يبدأ به الحوار بين العملاقين الاقتصاديين «الصين وأمريكا». وربما تكون المبادرة مخرجاً أرادت بكين اقتراحه لواشنطن، حتى تبعدها عن التهديد والعنتريات الإعلامية والسياسية فيما بين الطرفين.

أعتقد أن المبادرتين الصينيتين تُدْخِل حرب أوكرانيا في مرحلة جديدة بمشاركة صينية، إذ إن وثيقة «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية» التي قدمتها بكين، والمؤلفة من (12) نقطة، وكذلك «مبادرة الأمن العالمي»، هما مرحلة أولى للدخول إلى نظام عالمي جديد بالتفاهم بين واشنطن وبكين. وإن كان ليس بداية اتفاق أو تفاهم، إلا أنه جعل بكين تتحدث عن تصورها للنظام العالمي الجديد، مما يحتم دخول واشنطن في حوار معها، مباشر وغير مباشر، لوضع الأسس للنظام العالمي القادم. وكانت أمريكا تسعى لجذب الصين إلى النظام العالمي عبر إغرائها بالدخول في مؤسسات دولية، لأمريكا اليد العليا فيها، وتجاوبت الصين مع ذلك، ودخلت أيضاً في نظام العولمة الاقتصادية عبر أحكام «منظمة التجارة العالمية»، وسمحت للمستثمرين الأمريكيين باستثمار مئات البلايين من الدولارات في الاقتصاد الصيني، وكانت النتيجة أن الاقتصاد الصيني أرتفع بشكل كبير لينافس الاقتصاد الأمريكي (حسب البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا بلغ 20.89 تريليون دولار عام 2022، وارتفع خلفه الاقتصاد الصيني إلى 14.7 تريليون دولار في نفس الفترة). لذا تبحث واشنطن ومعها العواصم الغربية كيفية إيقاف هذا النمو الصيني المتسارع بدون الإضرار بالاقتصاد الأمريكي والأوروبي. ودخلت الصين الآن حلبة الحرب الأوكرانية كمحاور، وليس محارباً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store