Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

تخفيضات رمضان.. ترهق ميزانيات العائلات

A A
في مثل هذا الوقت من كل عام تستبق محلات بيع المواد الاستهلاكية والسوبر ماركت شهر رمضان بالترويج لعروضها السنوية، والإعلان عن «تخفيضات هائلة» في أسعار المواد الغذائية، والعديد من الحملات الإعلانية على صفحات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والمطويات التي تُوزَّع أمام أبواب المنازل، وما أن يذهب المستهلك لإحدى تلك المحلات، حتى يُفاجأ بأن الواقع في الحقيقة هو عكس ما تم الترويج له، وأن أصحاب تلك المحلات يتفنَّنون في التحايل على المتسوقين بوسائل مختلفة، لتحقيق هدف واحد هو استغلال الموسم، وتحقيق أعلى معدلات الربح.

وبعيداً عن التخفيضات والأسعار، فقد اعتدنا خوض هذه التجربة بصورةٍ سنوية رغماً عنَّا، في ظل غلبة العادات التي تأصَّلت في مجتمعاتنا، والتي تحوَّلت معها أيام رمضان من شهر للطاعات وتحصيل الحسنات؛ إلى موسم للأكل والشبع الذي يدفع الإنسان للنوم ساعات طويلة، وبالتالي لا يستطيع التعبُّد في هذا الشهر الكريم، الذي تزداد فيه الرحمات، ويعظم الأجر والثواب.

من المظاهر المؤسفة التي كثيراً ما نشاهدها في شهر الخير، تسابُق الكثيرون قبيل وقت الإفطار على شراء بعض المستلزمات اليومية، والتي غالباً ما يخرجون لشرائها في نفس الوقت، مما يُسبِّب إرباكاً هائلاً تتخلَّله العديد من الحوادث المرورية، وتُصاحبه في كثير من الأحيان مشادات ومشاجرات تذهب بقدسية الصيام وخصوصيته. وللأسف فإن الغالبية العظمى من تلك المأكولات -التي يحرص الكثيرون على وجودها ضمن سفرة الطعام اليومية- يكون مصيرها صناديق النفايات، مما يُوقعنا في دائرة التبذير المنهي عنه.

ومما يثير الاستغراب، أننا ومع إدراكنا لما نقع فيه من أخطاء، إلا أننا نُكرِّر ذلك مرات متعددة بصورة سنوية، وكأننا لا نتعلَّم من أخطائنا، أو نتمسك بإرهاق أنفسنا. فإضافةً إلى التهافت على شراء كميات مضاعفة من المأكولات والعصيرات والحلويات قبيل شهر رمضان، فإن الغالبية يقومون بذلك قبل دخول الشهر بيوم أو يومين، فمحلات السوبر ماركت التي تشهد حركة طبيعية أو متدنية في بقية أيام السنة، تشهد اكتظاظاً كبيراً في هذه الأيام، ويضطر المتسوّقون للاصطفاف في طوابير طويلة أمام المحاسبين، حتى يخرجوا بأغراضهم، فالمهمة التي كانت تحتاج إلى ساعة واحدة في الظروف العادية، قد تستغرق أربع أو خمس ساعات من المعاناة والإرهاق.

وفيما يوجِّه كثير من الرجال أصابع الاتهام إلى النساء بالتسبُّب في هذه المعاناة من واقع زيادة الطلبات ومضاعفة الاحتياجات، والرغبة في قضاء أكبر وقت ممكن في الأسواق للترويح والترفيه، فإن النساء بالمقابل يرمين اللوم على الأزواج، بحجة عدم توفير المال منذ وقتٍ مُبكِّر، وأنهم لا يمنحون عائلاتهم الوقت الكافي، ويُفضِّلون السهر مع أصدقائهم على حساب قضاء احتياجات العائلة، إلى آخر تلك القائمة الطويلة من الاتهامات المتبادلة.

ومهما كان السبب في استمرار هذه المعاناة، فإننا بحاجة ماسة إلى الوقوف أمام أنفسنا لمواجهتها ومراجعتها، وتطوير ثقافتنا الاستهلاكية، وزيادة الوعي الديني بمشروعية فرض الصيام، وأنه شهر للعبادة، والتقليل من الأكل للإحساس بمعاناة الفقراء والمحرومين، وأن نُدرك أن رمضان شهر عادي مثله مثل كافة شهور العام، لا ينبغي أن نُكثر فيه من الأكل، بل على العكس من ذلك، يُفضَّل الابتعاد عن الأطعمة الدسمة التي تزيد الإحساس بالكسل، وتدفع الإنسان للنوم، وبالتالي يفوته وقت ثمين كان من الممكن أن يستغله للعبادة.

ولتخفيف المعاناة عن المواطن والمقيم، فإن وزارة التجارة وبقية الأجهزة المختصة مطالَبة بالقيام بحملات تفتيش مكثفة، ومراقبة الأسعار، وإيقاع أشد العقوبات بمن يتاجرون بقوت الشعب، ويستغلون حاجة المتسوقين بمضاعفة الأسعار وزيادة المعاناة. ومن الأهمية كذلك مراقبة حملات التخفيضات الوهمية التي تجذب البسطاء، وتوقعهم في حبالها.هذه التصرفات ينبغي مواجهتها بالحسم والصرامة، لأن الجشع الذي تأصَّل في نفوس الكثيرين بات يُنظر إليه على أنه نوع من «الشطارة» و»الفهلوة»، وهو ما يُكلِّف الأسر مبالغ كبيرة، ويدفع البعض للاستدانة لتغطية فرق الأسعار، مما يُشكِّل ضغطاً هائلاً ومتزايداً على ميزانيات العائلات بقية أيام العام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store