Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا ينتشر القتل البشع؟!

A A
* لا يكاد المجتمع العربي يستفيق من هول صدمة قتل بشعة؛ إلّا ويدخل في تداعيات صدمة أكبر وأشد منها بشاعة. مشاهد مؤذية للنفوس، وخارجة عن كل الأطر، إمّا بالقتل ذبحاً على الطرقات وفي رابعة النهار، أو بالحرق والسحل لعائلات بأكملها، أو قتل أمّ لأبنائها، أو نحر ابن لأحد والديه! ومع كل حالة من هذه الحالات الدراماتيكية يكبر السؤال: لماذا تتزايد هذه الجرائم المُنكرة، وما الذي يدفع البعض إلى الشذوذ حتى في القتل؟!.

* تتعدد التحليلات وتتباين، لكن الأسباب الجوهرية لا تخرج - في رأيي الشخصي - عن أربعة عوامل رئيسة؛ لعل أولها وأهمها هو تلك الأنواع الجديدة والمتوحشة من المخدرات، التي ما فتئت الأجهزة الصحية والأمنية تُحذِّر من خطورتها، مثل (الشبو) وأشباهه من مواد الهلوسة (الرخيصة) التي تعبث بالدماغ البشري بسرعة كبيرة، وتحيل متعاطيها خلال فترة وجيزة إلى وحش قاسٍ؛ يفقد كل ما استودع الله في نفسه من معاني الرحمة والإنسانية.

* العامل الثاني هو انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمعات العربية، مثل الاكتئاب وغيره، جرّاء ما شهدته المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية من أحداث قاسية، ويزداد الوضع سوءًا مع غياب الإحصاءات الدقيقة لحجم الأمراض النفسية في المنطقة العربية، إضافة إلى ضعف الوعي بالمرض النفسي عمومًا، وانتشار التعاطي غير القانوني للأدوية النفسية، الذي خلق تجارة موازية لتجارة المخدرات. إضافة إلى أن شيوع وسائل التواصل ساهم في دخول الكثير من الأفكار الشاذة التي رفعت مستويات القلق والتوتر والفكر المشوَش إلى حد غير مسبوق.

* العامل الثالث هو تزايد الفقر، الذي يأتي في وقت تتعاظم فيه النزعة الاستهلاكية عند عموم البشر.. هذا الاتحاد الفقر/ استهلاكي يضغط على إنسانية البعض، ويسحق أجزاءً كبيرة من آدميتهم، مما يدفع بعضهم لاستسهال الجريمة في سبيل تحقيق رغباته الاستهلاكية.. قد يقول البعض إن الفقر ليس مُحدّدا للسلوك الاجتماعي، وهذا قد يكون صحيحًا، لكن ارتباط الفقر الدائم بالجهل والحرمان في عصر المتعة والاستهلاك؛ قد يدفع البعض للكثير من الممارسات الخاطئة، التي تدفع بدورها لما هو أكبر وأشد إجرامًا!.

* رابعاً انتشار ألعاب الفيديو التي تُشكِّل ألعاب الحروب والقتل فيها نسبة عالية جداً، حتى أصبح الكثيرين من الأجيال الجديدة يعيشون حصة يومية من أجواء العنف ولعدة ساعات. كما لا يمكن إغفال دور وسائل التواصل التي يستخدمها البعض للتشهير، فتدفع المُشهّر بهم للانتقام القاسي، وإشهار الجريمة بنفس الطريقة، إمعاناً في الانتقام.

* تتشابك الأسباب وتتعدد، مما يستوجب دعوة كل مراكز البحث والجامعات العربية المرموقة للتدخل بالبحث الجاد والدراسة المتعمقة لهذه الحالات، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة، قبل أن تصل لمرحلة الظاهرة.. صحيح أن القتل البشع ليس حكرًا على مجتمعاتنا العربية، وأن ما يحدث في مجتمعات أخرى ربما يكون أشد وأقسى. لكنها تظل حالات طارئة على مجتمعات كانت القيم والأخلاقيات الإسلامية تُهذِّبها وتعقلنها، وتكبح جماح الكثير من اضطراباتها النفسية والاجتماعية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store