Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

وداؤك في شرابك والطعام

A A
يُروى أنَّ قِسَّ بن ساعدة الأيادي، خطيب العرب المفوًه قد قال: (أيها الناس اسمعوا وعوا.. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة.. إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون! أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا..)!

ويروى أنًّ قسّا أنشد بعد ذلك يقول: (في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر.. لمَّا رأيت مواردًا للموت ليس لها مصادر.. ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر.. لا يُرجع الماضي إليَّ ولا مِن الباقين غابر.. أيقنت أنِّي لا محالة حيث صار القوم صائر).

من خطبة وأبيات شعر بلغة فصيحة وبأسلوب سهل ممتنع ومختصر مفيد.. قالها -رحمه الله- موجهًا وناصحًا مستمعيه قبل نحو ألف وأربع مئة سنة.. وما يزال مغزى خطبته وأبيات شعره سارية المفعول حتى يومنا ولآتي الأيَّام.

كم سيكون مفيدًا ترديدها على مسامع الجيل الجديد بغالبية أطفاله وشبابه إن لم يكن وشيبانه مدمني تناول الوجبات السريعة من (هامبورج وبيتزا) وسواهما، مستغنين عن الوجبات المحلية الصحية كالتلبيبة والتصبير والتعتيمة مع الشريك والتميس والجبنة البلدي الزكزك والحلاوة الطحينية أبو شعر والبصل المقلي مع البسطرمة والدقَّة المديني التي كانت الجدّات يرحمهن الله يشترين مكوٍّناتها من دكَّان العطارة، ويتم تنظيفها من الشوائب في البيت، وغسلها بالماء ثم تنشفها، ومن بعد طحنها وحفظها لتقدَّم في علب صغيرة الحجم لمن على سفر، أو تُهدى لأقارب وجيران.. وما ألذ وأطيب طعمها مع فنجان شاي بنعناع مديني أو بالدوش.

وياليت بعض (الكافيتريات) التي تقدِّم وجبات سريعة تعنى أيضًا بتقديم الوجبات الصحية اللذيذة التي تعودنا عليها قبل غزو الوجبات الأمريكية والغربية التي أثبت العلم والتجارب ضررها البالغ على الصحة.. وتقدم على موائدنا فارضة علينا أسلوب حياة الغربيين وطعامهم وشرابهم.. وليس صحيحًا أن كل ما يأتي من الغرب مضرُّ وليس مفيدًا.. ومع ذلك لا يخلو عن قصد وسابق تصميم: (ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب).. وليتنا نعي ونعيد بعض ما في تراثنا: (يقول لك الطبيب أكلت شيئًا وداؤك في شرابك والطعام).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store