التقنية وما وفَّرته لنا من راحة، جعلتنا نختصر أشياء كثيرة من حياتنا، استعضنا عنها بالضغط النفسي والأمراض على مختلف أنواعها، والتي لم تكن موجودة في مفرداتنا قبل حقبة من الزمان، فالمشي وزيارة الأهل والاستمتاع بأكل البيت والقراءة والكتابة، كلها أمور كانت مهمة في حياتنا، إلا أن التقنية أعطتنا أدوات جعلتنا نبتعد عن ممارسات يومية مهمة، وأصبحنا نجري خلف اكتساب المال، والوظيفة - للرجل والمرأة - بهدف التعويض، وأصبح الضغط النفسي أمراً معتاداً تجده حتى عند الأطفال. يكفي أن تنظر للطفل وهو يندمج في الألعاب الالكترونية، لتُدرك حجم الضغط الذي يعيشه من ممارسته لها وتسأل: لماذا لا يستمتع الطفل بوقته، في الجري واللعب؛ بدلاً من الجلوس لساعات طويلة وإنهاك نفسيته في الاندماج خلف الألعاب الإلكترونية؟،. فقد كان نادراً أن تجد في عصرنا ونحن صغار؛ أطفالاً معصّبين، لأننا لم نتعرَّض للضغط النفسي، وبدراهمنا. «ويا بخت من اشترى له بحلاله علّة».
الضغط النفسي الناجم عن حرماننا لأنفسنا بالاستمتاع بحياتنا الطبيعية دون مؤثرات خارجية؛ كـ(التقنية) وما تجرّه علينا من أخطار، حقيقة نعيشها هذه الأيام. ومن ثم تسببت في انتشار أمراض لم نعهدها من قبل، كالضغط والسكري وأمراض المعدة.. وغيرها، نتيجة عدم الحركة، مثل السمنة، والتي نجمت أيضاً من نوعية الغذاء والشراب، حيث إننا تعوَّدنا على الأكل خارج المنزل، رغم أننا لا نعرف كيف أُعَد هذا الطعام، وعلى ماذا يحتوي؟. ائتمنَّا غيرنا على صحتنا وعافيتنا، وأصبح الكسل والاسترخاء هما نمط حياتنا، وهذا لم يكن موجوداً منذ عقود مضت، كل ذلك باسم «استحواذ التقنية»، والمشكلة ممتدة للأجيال القادمة التي تنساق خلفنا دون توقُّف، والمؤسف أننا لم نَعُد نُفكِّر أين صالحنا، ولماذا، وما هو حجم المنفعة العائدة علينا من ذلك؟.
نعم، نحن في عصر حرمنا فيه أنفسنا من الهدوء والراحة والاستمتاع بأوقاتنا، والعيش بصحةٍ جيّدة، نتيجة ممارسات حياتنا اليومية، فكما نستفيد مادياً من التقنية، أصبحت أعباؤنا أكبر؛ نظراً لارتفاع فاتورة الأدوية لعلاج الأمراض التي تسبَّبنا فيها لأنفسنا.
نحن في حاجة إلى أن نُقيِّم الموقف ونقرر: هل هذا الحِرمان الذي تسببنا فيه لنا ولأولادنا؛ وما يحقِّقه من عوائد، مجدٍ لنا؟!.
يجب أن لا نترك التيار يجرفنا، ونستخدم أسلوب المنفعة والتكلفة في تصحيح مسار ونمط حياتنا.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
