Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

الوزن ترنيم.. والشعر غناء

سديم

A A
الوزن ترنيم منظَّم، والشعر غناء قائم على ذلك الوزن والترنيم، والشعر العربي غناء يترنم به الشاعر، ويلقيه كما تُلقى الأغنية، ولا شك أنَّ الغناء وإن كان فطريًّا فهو خاضع للنظام، فنحن نسمع تغريد الطيور التي لا تعقل، فإذا التغريد خاضع للنظام، وليس الخضوع هنا بمعنى السيطرة المستبدة؛ ولكنَّه اتزان الحركة في النغم.

وما دام الشعر غناء -كما يرى العقاد- فهو مرتدٍ -حتمًا- ثوبًا يلائمه، وهذا الشعر هو الوزن.. وليس حتمًا أنْ يكون الوزن المأثور توقيفًا إلهيًّا لا يمكن تغييره، ولا أداة حصار ثابتة لا تتبدل؛ بل الوزن نغم، فهو من ناحية قانون مادي ونظام آلي؛ ولكنَّه من الناحية الأخرى شعور بمحتواه.

ونستجلي من كلام العقاد أنَّ الشعر ما كان قالبًا ومحتوى، أو شعورًا ونغمًا إلَّا ليغاير كل ما عداه من فن القول الأدبي، وبهذا يختزن الشعر ذخيرة مكثفة من الشعور لا يتسع له القالب النثري المتحرر بقدر ما يتَّسع له القالب الشعري الموزون.. لذلك فالعقاد يرى أنَّ أوزان العروض العربية على إحكامها وإتقانها سهلة الأداء، قابلة للتوسع إلى الغاية المطلوبة في كل موضوع يتناوله الشعراء.

والعقاد عندما يسوق هذا الحكم يعزوه بأدلة لا يملك الباحث المنصف إلَّا مؤازرته فيها، ومنها أنْ اختار شعراء اللغات الفارسية، والعربية، والأوردية أنْ ينظموا بلغاتهم في أوزان العروض العربية وفضَّلوها على أوزانهم القديمة، وأنَّ الشعراء عامة لم يتعذر عليهم أن ينظموا الملاحم أو يتخللوها بالقصائد الموزونة المقفَّاة في القصص المطولة مثل الزير سالم، والغزوات الهلالية، وأخبار النبي أيوب، وعمدتهم في ذلك السليقة والسماع ليس غير، فإلغاء القافية -كل الإلغاء- لا تدعو إليه الحاجة.

إلَّا أنَّه يُعدُّ تنويع القوافي أوفق للشعر العربي من إرساله بغير قافية، وأنَّه يقبل التنويع في أوزان المصاريع والمقطوعات على أسلوب الموشحات، فيتسع للمعاني المختلفة والموضوعات المطولة، ولا ينفصل عن الموسيقية التي نشأَ فيها، ودرج عليها.

وإذا كان العقاد نفسه قد دعا إلى التخلص من رتابة القافية، ورأى فيها عامل تخلُّف يعيق الشاعر عن التجوال بخياله في كل فنون الشعر، وبخاصة القصصي والملحمي ممتدحًا القوافي المرسلة والمزدوجة والمتقابلة في شعر عبدالرحمن شكري -مثلًا- وهو ما نجده بصريح العبارة حينما قال: «أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تنفسح لأغراض شاعر تفتحت مغالق نفسه... ما لا قدرة لشاعر عربي على وضعه في غير النثر».

لهذا فهو يرى أنَّ اتساع القوافي لشتى المعاني والمقاصد سيمكِّن من بزوغ المواهب الشعرية على اختلافها، فنرى بيننا شعراء الرواية، وشعراء الوصف، وشعراء التمثيل، ثم لا تطول نفرة الآذان من هذه القوافي، لاسيما الشعر الذي يناجي الروح والخيال أكثر ممَّا يخاطب الحس والآذان، فتألفها بعد حين وتجتزئ بموسيقية الوزن عن موسيقية القافية الموحدة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store