Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

خطورة العزوف عن الزواج.. والسعادة المفقودة

A A
‏حينما خلق الله سبحانه وتعالى (آدم) عليه السلام في الجنة، خلقه من طين ثم قال له: كن.. فكان أول إنسان، ولكن بالرغم مما في الجنة من النعيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال بشر.. ولكن مع ذلك خلق الله له من ضلعه الأعوج (حواء) لتكون له السكن.. فقال تعالى لبني البشر:) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

‏فالزوجة سكن بكل ما تحمله الكلمة من دلالات مادية ومعنوية؛ من الاستقرار والطمأنينة والحب والمودة، وكل ذلك قائم على مبادئ الحوار والتفاهم ومعرفة مسؤوليات ومهام وواجبات كل طرف. بل إن التزاوج في الكون من آيات الله في خلقه لجميع الكائنات الحية، لذلك حمل نوح في سفينته من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرًا وأنثى بأمر ربه حينما أراد إغراق الأرض، فقد قال تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّۢ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ). بل حتى الذرات والمجرات التزاوج لا يكون الا باتحاد الذرات السالبة مع الموجبة لتكّون الطاقة التي هي مصدر القوة.. فالتزاوج هو: تناسل، وتكاثر، وتوالد لاستمرار النوع، وأي اختلال في ذلك سيؤدي إلى الانقراض أو الزول وتهديد البشرية في مقوماتها الإنسانية، والاجتماعية، والبيئية والاقتصادية.

هذه المقدمة لما لوحظ مؤخرًا من عزوف بعض الشباب عن الزواج، وفي المقابل عنوسة للفتيات، حيث وصلت نسبة العنوسة إلى 10% حسب الهيئة العامة للإحصاء، وعدد السعوديات المصنفات بالعوانس بلغ (٢٢٧.٨٦٠)، وهن من تجاوزات أعمارهن ٣٢ سنة ولم يتزوجن، ناهيك عن المطلقات، والتي بقينا عازبات لربما لبقية الحياة.

كما أن هناك تقرير من الهيئة العامة للإحصاء يشير إلى أنه ٦٦٪ من الشباب السعودي -إناث وذكور- لم يسبق لهم الزواج، وهم من الفئة (١٥- ٣٤ سنة) ويُمثِّلون 36.7 من إجمالي السكان السعوديين، وأن نسبة ٧٥.٦٪ من الذكور لم يسبق لهم الزواج.

حقيقةً، هذه مؤشرات خطيرة على تهديد سلامة المجتمع، حيث سنصل في يوم ما -لو استمرت الحالة- إلى ما وصلت إليه دول سابقة، حيث لم تمنع الزواج، ولكنها حددت النسل بطفلٍ واحد أو طفلين؛ مما سبَّب شيخوخة لتلك المجتمعات.. ومن مساوئها إضراب التركيبة السكانية كما في الصين، واليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، وهذا يؤثر على الإنتاج الاقتصادي، ويُهدِّد القوة العسكرية للدولة، فضلا عن عدم مواكبة التطورات الحضارية العالمية، ومعاناة تلك الدول في عدم وجود شباب لقيادة دفة الدولة!.

‏وفي كوريا الجنوبية أُغلقت الكثير من المدارس لعدم وجود تلاميذ، وكذلك بعض المستشفيات، ومدن الملاهي الكبرى لأنه لا حاجة لذلك المجتمع بها، وتأثر الاقتصاد بصورةٍ كبيرة، بينما هناك استنزاف على الصرف على كبار السن وبناء الدور الإيوائية لهم والرعاية الصحية المنزلية وغيرها من الخدمات.

‏ومن الآثار البعيدة المدى ربما تلاشي تلك المجتمعات، وهذا ما يخالف هدف خلق الله للإنسان، وهو أن يكون خليفته في الأرض لبنائها وعمارتها.

‏ولكن دعونا نكن أكثر واقعية، فهناك أسباب لعزوف الشباب عن الزواج منها: عدم رغبته في تحمُّل مسؤولية بيت وزوجة وأطفال، فقد اعتمد معظم شبابنا - وخاصة في الطبقة فوق المتوسطة - على آبائهم، وما يُقدِّمونه لهم من احتياجات وخادمات وسائق وجميع طلباتهم مجابة، دون أن يُكلف الشاب أو الفتاة بأي مسؤولية في المنزل، مما ساهم في التعود على الاتكالية، وعدم القيام بأي مهام.

‏ومن ناحية أخرى، المعاناة من البطالة عند البعض، وعدم وجود وظائف يستطيع الشباب من خلالها الإنفاق وتكوين أسر، ناهيك عن تكاليف المعيشة وغلاء المهور والبذخ في الأفراح وغيرها، كلها مسببات تجعل الزواج حجر عثرة أمام الشباب، فهو لن يقبل أن تُنفق عليه زوجته التي حصلت على وظيفة، وتظل تنظر إليه بنظرة دونية؛ وهنا يحدث أيضاً اختلال في معنى القوامة، بل للأسف أن الشابة التي وجدت وظيفة أصبحت تستغني كلياً عن الزواج، طالما هي قادرة على الصرف على نفسها!! وهذا خطأ فادح، فالزواج نعمة من الله لتستقيم الحياة، وإشباع الغريزة الجنسية بما أحل الله، والعصمة من الوقوع في الحرام.

‏وللحديث صلة بإذن الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store