السُفُنُ أم السَفِنُ ؟!

في مقالي السابق (قِفْ بعيداً وضَعْ زيْتاً في يدك)، استَشْهَدتُ بعبارة: (ما كلّ ما يتمنّى المرءُ يُدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ)، ومن حيث لا أدري صارت العبارة مادّة للنقاش في مقالي هذا، دون سَعْيٍ منِّي ولا نيّة مُسْبَقة!. ومردّ ذلك هو ما بعثه لي مشكوراً، أحد القُرّاء الأفاضل، بعد نشر المقال من تعقيب يقول فيه: إنّ من الخطأ القول: (تشتهي السُفُنُ)، والصواب هو (يشتهي السَفِنُ)، لأنّ السفينة وجمعها سُفُنُ هي جماد، لا تشتهي مثل الإنسان، وأنّ (السَفِنُ) بفتح حرف السين وكسْر حرف الفاء، هو القبطان الذي يقود السفينة، وهو الذي يشتهي، لا السفينة الجماد الخالية من حاسّة الاشتهاء!.

والذي أعرفه أنا هو أنّ هذه العبارة هي في الأصل بيت شعر للشاعر العبّاسي «أبي الطيّب المتنبّي»، وقاله بنفس الصيغة، أي (تشتهي السُفُنُ)، وقَصَدَ به أنّ ظروف الحياة تُعاكس أحياناً ما يتمنّاه المرء، وأورد كلمة (السُفُن) مجازًا وأراد بها قبطان السفينة الذي هو مرء، أليس كذلك؟.

وأنا، وإن لم أكن ضليعاً في اللغة العربية، إلّا أنّ التعبير بالجماد عن الإنسان رائجة في اللغة، وهو ما أضفى على لغتنا مزيداً من الجمال، إذ يمكن القول مثلاً: إنّ تلك الحافلة مُباركة، ولا يعني ذلك الحافلة الحديدية نفسها، بل مَن فيها من الرُكّاب، أو ما فيها من معونات إنسانية للمتضرّرين من كوارث طبيعية، فضلاً عن إمكانية تفسير (الاشتهاء) فيزيائياً للسُفُن بمدى تفاعلها مع البيئة المحيطة بها من رياح ومياه، ولو كانت تعقل؛ لاشتهت ظروفاً بيئية مثالية!. ولا أعلم مصدر معلومات القارئ الكريم، سواءً بالنسبة لصيغة بيت الشعر، أو التصحيح اللغوي، والمواقع الإلكترونية تعجّ ببيت الشعر تماماً، كما قاله المتنبّي، وكما اقتبسه كاتبكم دون تغيير.

وبالمناسبة، فإنّ هذا البيت من الشعر هو الذي (طَقْطَقَ) عليه الفنّان الكوميدي دُريد لحّام في شخصيته التلفزيونية: (غوّار الطوشي)، حين اشترك في مسابقة شعرية يُفترض أن يقول فيها المتسابق بيتَ شعرٍ يبدأ بآخر حرف لبيت الشعر الذي قاله منافسه، ولأنّ غوّاراً لم يكن يحفظ إلّا بيت المتنبّي، كان يقوله كلّ مرّة مع استبدال حرفه الأول (م) في كلمة (ما)، بالحرف المطلوب منه قول بيت شعرٍ يبدأ به، فتارةً يقول: (ما كلّ)، وتارةً يقول: (با كلّ)، وأخرى (دا كلّ)، حتّى طردته إدارة المسابقة،

ما رأيكم أنتم؟.. وما الصحيح؟.. وسلامة القارئ وسلامتكم.