Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

من واقع الشهرة

A A
- مع انتشار منصّات الإعلام الحديث، أصبح من السّهل التأثيرُ السريع والعجيب في الجماهير، عن طريق العدوى النفسيّة والهيستيريا الجماعية، بغضّ النظر عن أي منطقٍ سليم، وبذلك، أصبحت الجماهيريةُ والنجومية، تعتمدُ على المَظهر لا المَخبر، وعلى عدد المُتابعين لا نوعيّاتهم، وبالأخص، على مدى إثارةِ اللغط والجدل.

- ومع ارتفاعِ بعض المشهورين على بعضهم، يمكن ملاحظة نوعٍ من «النرجسيّة المَرضية» التي تصيب «الرجلَ الضئيلَ التافه» بعد أن صارَ وجيهاً؛ صاحب شُهرة بالغةٍ بطريقةٍ صادمة، سامحاً لفكرة استحقاقه الرّفيع أن تتسرّب إلى عقله فيقتنع بها، وهو لا يتمتّع في الحقيقة بأيّ موهبةٍ وجيهةٍ أو قُدرات فذّة.

- الاحتفاءُ بأعياد ميلاد بعض المَشاهير من مُحدَثي الشُّهرة والنّعمة في قنوات الإعلام الرّقمي ذات الجماهيرية المُختلَطة والجارفة، من الصّرعات العجيبةِ للإعلام الحديث، ولعلّه مظهرٌ جديد من مظاهر التّرف والسّماجة والابتذال. الشهرةُ يجب أن تدعمها الثقافةُ والسلوك السّويُّ، وإلا كانت كالطّبل الفارغ.. ومن الخيرِ للمرء في جميع الأحوال، ألّا يكونَ مشهوراً على الإطلاق.

- من الظاهر لي أنّ الشُّهرة التي يكتسبها بعضهم عبر وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ لا يمكن منعُها أو حجبها، فقد بات الأمرُ واقعاً لا يمكن إنكارُه ولا حجبه ولا منعه، وهو إفراز مرحلة تغيير، ونتيجة حتميّة للإعلام التّقني المُذهل والمُتسارع الذي يصعُب مواكبته، ولن تتغيّر الظاهرة إلا بتغيّر عوامِلها وأسبابِها المُضطربة.. تيارُ التطوّر والتغيّر الجارفٌ لا يمكن إيقافُه ولا السّباحة ضده، وهنا مكمُن المُعضلة والتحدّي الأكبر.

- يُفرّق (هيوم) بين الشُّهرة ورفعةِ الشأن، فيرى أن الشُّهرةَ الحقيقية تتأتّى بفعل الخير فحسْب، أما رفعة الشأن، فيمكن أن تُعرّض المرءَ إلى المَخاطر والعواصف. السّعي الحثيثُ وراء الشهرة، من أسبابِ التوتر والقلق العصبي والتعلّق المَرضي، ومن صور الجوعِ النفسي والإصابة بهوس حُبّ الظُّهور.

- محاولة أن تكون مشهوراً في مُجتمعات؛ معايير الشُّهرة فيها مُضطربة، هي محاولة محفوفةٌ بالمُخاطرة، بل أشبه بحقل ألغام.. لا تحاول أن تكون مشهوراً.. إذ كلّما كان الإنسانُ أكثر شُهرة، كان أقلّ حرّية وأكثر انحباساً. جرّب فقط أن تكون مُؤثراً إيجابياً في حياتك وحياةِ مَن حولك، بشيءٍ من الهدوء والتواضع وتجنّب اللغط والانكشاف، دون تنافسٍ فج، أو استحقاقٍ مُفرط.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store