Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

خطورة العزوف عن الزواج.. والسعادة المفقودة (٢)

A A
تحدَّثتُ في المقال السابق؛ عن خطورة العزوف عن الزواج على سلامة المجتمع، وعن بعض الأسباب للعزوف وخطورة ذلك على الفرد؛ لأنه بالزواج تشبع الغريزة الجنسية، وهي من الحاجات الأساسية عند الفرد؛ حسب تصنيف (بلوم)؛ فالحاجة للطعام والشراب تأتي في المرتبة الأولى، تليها مباشرةً الحاجة لإشباع رغبات الجسد، حيث إن عدم إشباع هذه الحاجة بالطريقة الشرعية؛ يؤدي إلى التوتر والقلق، والاضطراب النفسي، والشعور بالذنب، بل والاكتئاب. فالإشباع الجنسي حاجةٌ يُحقِّق فيها الفرد الصحة النفسية والجسدية لأنها علاقة تكتنفها السعادة، فكل من الزوجين هو سكن للآخر.

‏بل من أهمية الزواج إشباع غريزة الأمومة والأبوة، والتي يتمناها الكثيرون.. وللأسف أخذ البعض في تربية الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب لإسقاط العاطفة، وهذا خداع للذات، فالأبوة والأمومة أكثر من مجرد عناية واهتمام وحب وهمي.. إنها التربية، والاتصال الروحي، والعطف، والحنان المتبادل.. وفي النهاية إنتاج وإنجاز في ابن يحمل اسم والده، ويحيي ذكره، ويبر أمه.. بل مواطن يساهم في خدمة وطنه وأمته، وتحقيق الخلافة في الأرض.

بل إن من مصادر السعادة؛ الأثر الممتد من الحمل والولادة، وسعادة الزوجين بهذا الحدث ومنذ اللحظة الأولى بطفلهما، لأن الله سبحانه وتعالى غرس هذا الحب وتلك العاطفة للمحافظة على حياة الطفل. وكل تلك التفاصيل هي نجاحات أكرمهما الله بها بالرغم من آلام الحمل والولادة، وصعوبات الحياة، ونمو الفرد لأن يصبح مواطناً صالحاً يخدم بلده وأمته؛ وهذا ليس بالأمر السهل، ولكن صدق الله في كتابه الكريم الذي قال: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فيأتي من يتفلسف ويقول: «ليس من مصادر سعادتي أن يكون لي أبناء»، وكيف نخالف الفطرة وكلام الله؟! حتماً لأنه لم يُجرِّب نعمة الأبوة، وهي التي يُدفع لها الأموال الطائلة في عيادات العقم والذكورة لإنجاب طفل؛ يملأ الحياة سعادة وجمالاً.

ولا شك أن دور الوالدين عظيم في التربية، وإن كان الرجل (الأب) مسؤولاً عن الإنفاق على الأسرة، وهي مسؤولية عظمى، فإن دور المرأة (الأم) هي تربية وإعداد الأجيال، وتوفير الأمن النفسي للطفل، بل هي مَن تصنع الرجال الذين تقوم على أكتافهم أمور الدولة فيما بعد، فلا تترك تلك المهمة للخادمات. بل إن الأمومة والأبوة هي مصدر السعادة الحقيقية للإنسان في إيقاظهم للصلاة، ولعبهم معهم، وتعويدهم على الأكل والاعتماد على الذات، والعادات الاجتماعية، وكل التفاصيل الصغيرة في الحياة، لكنها تحتاج إلى الصبر والاحتساب والرضا.

إذن نحن أمام معضلة اجتماعية كبرى تتطلب من المسؤولين بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ومجلس شؤون الأسرة، والجامعات، والقطاع غير الربحي، بوضع دراسات علمية مفصلة لإيجاد حلول مناسبة لمشكلة العزوف عن الزواج لمساعدة الشباب؛ فقد كانت - منذ فترة ليست ببعيدة - تقام الأعراس الجماعية في جدة للتخفيف على الشباب، كما أرى ضرورة دعم رجال الأعمال للجمعيات، لتقوم بدورها في مساعدة الشباب على الزواج، وضرورة خفض المهور من أولياء الأمور، وأن تقوم وزارة الإسكان بدورها في تقديم الوحدات السكنية التي تُلبِّي احتياجات الأسرة في بداية الحياة الزوجية، وأن تكون بقروضٍ مُيسَّرة، وتوفير الوظائف في القطاعين العام والخاص، واعتماد التوطين الحقيقي وليس المقنّع.. وهنا يحدث شيء من التكامل بين مختلف المؤسسات والجهات.

‏كما أن هناك قيماً لابد أن تُقدِّمها المدارس في مناهجها للمرحلة الثانوية والجامعية؛ بأهمية تأسيس الأسرة على التقوى، ومخافة الله في بناء العلاقات، والتعامل بين أفراد الأسرة، والتعريف بالحقوق والواجبات لكل طرف؛ من خلال المناهج والمناشط التعليمية. وألا تأنف الفتاة بأن تكون ربة منزل، وأن ما تقوم به أعظم خدمة للوطن. وأقترح أن يُخصَّص لربة المنزل مرتب من وزارة الموارد البشرية لا يقل عن (3000 ريال)، لأنها على ثغر من ثغور الوطن، وهي إعداد المواطن الصالح.

نأمل أن يقوم مجلس الشورى ممثلاً باللجنة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية بدراسة الموضوع، ورفعه للمقام السامي، حيث إن هذه الدراسات تحمي الأسرة السعودية، فهي النواة الأساسية، إن صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store