Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

المتربصون ..!!

A A
رغم كل الوعي، ورغم انتشار ثقافة الإيجابية بين مختلف المجتمعات، ورغم كل جنبات مواقع التواصل الاجتماعي الذي نعيشه، لا تزال هناك فئة تعيش بيننا تتربَّص لزلاتنا وأخطائنا في مسيرة حياتنا، ورغم أن البعض يعترف بأخطائه أمام الآخرين، إلا أن الآخرين لا يتركون له حالا، ولا يقبلوا بهذا الاعتراف، بل يتربصون ويبحثون ويفتشون وينبشون في هذه الاعترافات، بل ويتجاوزون ذلك في النبش في الخصوصيات والأمور الشخصية، في الماضي والحاضر، تاركين الاهتمام بحياتهم والاهتمام بحياة الآخرين بكل تفاصيلها.

يتناسى البعض بأن الناس غير معصومين وغير منزهين عن الأخطاء، ويظن البعض الآخر بأن تربص الأخطاء هو حق مكتسب لهم على الآخرين، ولا يمكن أن يقبلوا به على أنفسهم، وهذا الداء أصبنا به بشراسة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وثورة المعرفة، التي أتاحت أرشيفا كبيرا من الملفات الشخصية واليومية من الفيديوهات والصور والتعليقات والتغريدات للعامة والخاصة، فسرعان ما تتسارع الأيدي والألسن للنيل من أي شخص يُخطئ أو تصدر حوله شائعة، أو تصدر منه زلة، ويستسهل الحديث عنه لكلمة أو مقالة أو مقولة، لربما لم تفهم كما يقصد، أو لفقت له أو تم قصها وبنيت في غير سياقها وفي غير موقعها الأصلي.

نحن هنا نناقش فكرة التربص بالآخرين، فالبعض ممن يهاجمون ويقذفون الآخرين لديهم نفس الأخطاء وربما أكبر وأكثر، وليس فينا جميعاً المنزه والمثالي، فنحن جبلنا على الخطأ والتوبة والاستغفار، ثم أن الخطأ أو الزلة التي يقع بها الفرد هي دروس وعبر للشخص نفسه ولغيره أيضاً في ألا يتكرر الخطأ، البعض يصنف التربص وتصيد الأخطاء جريمة تؤجج النفوس وتوغِر الصدور، الذين ينقلون لكم أو عنكم الأراجيف، يفرحون أشد الفرح عند نزول المصائب والبلايا، إنهم يثيرون النفوس ويُشعلون نار الحقد بكلمات توافق الأهواء، وصفهم الله تعالى بقوله: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)، صفة ذميمة وتعد من صفات أهل النفاق.

التربص وتصيد الأخطاء أسلوب سلبي، وقد يكون مرضاً نفسياً متلازماً، ونقصاً في النفس، يلجأ إليه البعض ليثبت لنفسه أن بقية الناس ليسوا أفضل منه، فهم أيضاً يخطئون، وربما يكون مبرره عند البعض هاجسه الخوف والشك، وأحياناً يكون المبرر بحثاً عن مثالية وهمية، فالنتيجة أن تصّيد الأخطاء يباعد بين هذا الشخص والآخرين، ويزرع خلافات يكون الناس - في كثير من الأحيان - في غنى عنها، وقد يعتبر البعض أنه في مكانة تؤهله وتبيح له التربص وتصيد الأخطاء والانتقاد، ويخلط بين النقد البناء والنقد اللاذع والانتقاص والتربص، فلا يرى إلا ما يروق لنظرته السوداوية لكل جمال ونجاح حوله، يضخم ويصنف ويقصي حسب الأهواء والنظرة القاصرة والسلبية الملازمة، أفضل علاج للتربص هو تهذيب النفس والسلوك على البعد عن التربص بالآخرين، واحفظ لسانك لأن لكل الناس ألسنة قد تطيح بك.

احفظ لسانك أيها الإنسان.. لا يلدغنك.. إنه ثعبان.

كم في المقابر من قتيل لسانه.. كانت تهاب لقاءه الأقران.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store