Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

شركات الحج.. ومهنة الطوافة

A A
في خطوة رائدة استبق بها معالي وزير الحج والعمرة د. توفيق الربيعة موسم حج 1444هـ بزيارة لمملكة ماليزيا الاتحادية، وهي خطوة تتواءم مع أنظمة الحج الجديدة، والتحوُّل في الخدمة إلى شركات؛ والترويج وتطمين العملاء بما تقوم به الدولة السعودية من جهودٍ لخدمة ضيوف الرحمن. وقد كان للمؤتمر الصحفي الذي عقده معاليه هناك في 7 شعبان 1444هـ صدى عالمياً؛ بأن الدولة السعودية فتحت المنافسة للشركات لرفع جودة الخدمات، وتم تخفيض مبلغ التأمين على الحجاج بنسبة 73%، وإلغاء شرط وجود المحرم للمرأة، وكذلك استخراج التأشيرات إلكترونياً عبر منصة (نسك)، كما تم تطوير المواقع الدينية والتاريخية لإثراء التجربة الدينية والثقافية لضيوف الرحمن.

ثم لم نلبث أن شاهدنا زيارات من الرؤساء التنفيذيين لبعض الدول للترويج لخدماتهم، في إطار التنافس القوي الذي بدأ يظهر في استقطاب الشركات لعملاء جدد من غير الأقاليم التي كانوا يتبعون لها في السابق -في زمن المؤسسات- وحدثت تعاقدات، مثل تعاقد شركات من بنجلاديش مع جنوب شرق آسيا، ومع جنوب آسيا، في إطار ربما التجربة الفعلية مع شركات أخرى.. كما شاهدنا زيارة وتوقيع اتفاقيات من شركة جنوب آسيا (ضيوف البيت) مع بعثة مسلمي قرقزستان، وهي لم تكن أصلاً من ضمن أقاليم الشركة، كما وقعت اتفاقيات مع سلسلة فنادق هيلتون وجبل عمر لتقديم خدمات فندقية (خمس نجوم) لحجاج الفرادى من مسلمي أوروبا، وأمريكا واستراليا وكندا.

كل هذا الحراك يطمئننا بأن الشركات فعلاً أخذت بمبدأ التنافس للاستحواذ على العملاء، وأن السوق مفتوح للأقوى؛ وهذا يُذكِّرنا بعهد (حرية السؤال)، وهي مرحلة تاريخية مهمة من مراحل مهنة الطوافة، وذلك بإعطاء الحاج حرية اختيار مطوفه الذي يخدمه، وذلك بعد حل التقارير التي كانت تخصص لكل مطوف إقليم معين من الأقاليم. فأصبح المطوف يستطيع استقبال حجاجه من مختلف بلدان العالم الإسلامي: جاوا، هنود، أتراك، أفارقة، وذلك بناء على المرسوم الملكي الذي أصدره الملك فيصل -رحمه الله- رقم (12) بتاريخ 09/05/1385هـ. ولكن ما يجب التنبيه عليه هو أخذ الدروس السابقة والعبر من التنافس غير الشريف؛ حيث كانت تدفع أموال لشراء الحجاج؛ تفوق أحياناً مقدار ما تحصلوا عليه من فوائد أو مصلحة، مكتفين بالسمعة والدعاية. كما أدى إلى ظهور طائفة (السماسرة) من الأجانب الذين يستغلون الموقف في أخذ أموال من المطوف مقابل الترويج له عند الحجاج.

ولكن ما نتمناه أن تكون المنافسة الشريفة بالخدمة الحقيقية هي المبدأ الأساسي، وأن تكون قيم الطوافة هي المحك الذي يتعامل به أبناء المهنة مع الحجاج عبر التاريخ؛ فحتى وإن تحولت الأنظمة إلى (شركات)، فإن التعامل مع الحاج سيظل التعامل الإنساني، وليس كسلعة تباع وتشترى!!.

وما نأمله أيضاً من الشركات؛ الاهتمام بمساهميها، كونهم من المستفيدين والداعمين لبقاء الشركة واستمرارها؛ لامتلاكهم للأسهم الاستثمارية وللأصول في الشركة.. هذا وقد وضعت بعض الشركات معايير وشروط للعمل في موسم حج 1444هـ، وفيه شرط السن، وألا يزيد عن (65) عاما؛ وقد تسبب ذلك في استياء البعض، لأنه شرط لم يسبق أن يكون في هذه المهنة الشريفة، رغم توارد مناقشة الموضوع مع وزراء الحج السابقين، الذين أجمعوا في قراراتهم على أن المهن لا يُحدّد لها سن معين، وأن الطوافة تظل مهنة من المهن، كما ذكر ذلك في جميع كتب التاريخ. وقد صدرت اللائحة التنظيمية لمكاتب الخدمة الميدانية بالمؤسسات الأهلية لأرباب الطوائف بموجب القرار الوزاري الصادر بتاريخ 3/9/1434هـ، واشتملت على 29 مادة منها الشروط والأحكام للمتقدمين للعمل، وهي: «المؤهلين علمياً أو مهنياً أو صحياً.. وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وغير محجور عليه أو محكوم بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، وأن يكون عمره تسعة عشر عاماً قبل دخول أشهر الحج.. وأن يكون لائقاً صحياً وعقلياً وقادراً على ممارسة الخدمة». بل حتى في نظام الشركات الجديد لم ترد أي مادة في تحديد السن، وكذلك في اللائحة التنفيذية لنظام مقدمي الخدمات رقم 410105143 بتاريخ 5/1/1441هـ. ولا حتى في النظام الأساسي للشركة التي فرضت تحديد السن 65 عاماً؛ علماً بأن نفس هذه الشركة، وفي مجلس إدارتها لا يقل عن أربعة أشخاص، قد تجاوزوا هذا السن، فكيف يُحلِّلون لأنفسهم ما يُحرّمونه على الآخرين!؟.

وللحديث بقية إن شاء الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store