Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

الخلط بين التشريع الرباني والعادات والتقاليد

A A
عندما خلق الله تعالى عباده خلقهم لعبادته وعمارة الأرض، وحتى يتحقق ذلك فقد جعل لهم تشريعات تضبط مسيرتهم وسلوكاتهم ومعاملاتهم، ولو لم يكن ذلك لكانوا يعيشون حياة الغاب تماماً، لكن الله فضلهم بإنزال تشريعات سماوية يبلغها الرسل المكلفون من قبله سبحانه، وكانت تلك التشريعات تنزل تباعًا في كتب يتوافق كل منها مع المرحلة الزمنية التي يعيشونها، وكانت تعليماتها وأحكامها تتطور بتطور مرحلتهم، واستمر ذلك الحال حتى جاءت الرسالة المحمدية الخاتمة لتلك الرسالات وكانت مضامينها في كتاب الله تعالى القرآن الكريم الذي بين أيدينا، وتتميز التشريعات السماوية جميعها بأنها ثابتة ومحددة ومفصلة لكل أمة من الأمم حتى لا ينحرف بمضامينها البعض وكان تطبيق تلك التشريعات ملزم لكل الأمة والعبث به يفضي إلى انحراف الأمة كما حدث في كتب التوراة والإنجيل لكن القرآن الكريم ميزه الله بالحفظ من العبث حتى يوم الدين قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

ونتيجة لهبة العقل التي منحها الله تعالى للبشرية ميزتهم عن حياة الغاب حيث هيأت كل أمة لنفسها تشريعات مدنية تسير بها أمورها كالدساتير وأنظمة المؤسسات، وهذه يعود وضعها وتنفيذها والمحاسبة عليها إلى الحكومات، وهذه التشريعات تتطور وتتبدل أيضًا حسب متطلبات الحياة وتطورها، وتزداد قوتها ومتانتها واستمراريتها عندما تكون مستمدة من التشريعات السماوية وتتعرض للخلل والفساد عندما تكون بعيدة عنها.

أما الجانب الثالث من التشريعات فهو ما يطلق عليه العادات والتقاليد وهي أنظمة متعارف عليها بين الناس نتيجة لحالة الجهل والتشرذم وعدم وجود أنظمة مدنية مقننة تحكمهم أو تخضع لسيادة بعض الشخوص التي يفرضها تحت مظلة سلطته كالشيوخ والمتنفذين داخل القبائل على سببل المثال لا الحصر.

وهذه التشريعات تحديداً أراها تحدث الكثير من الخلل والانحراف داخل التشريعات السماوية والمدنية كونها مشاعة التنفيذ تفتقد للضبط والمحاسبة الدقيقة وكون البعض منها -أي تشريعات العادات والتقاليد- ينطبق عليه قول الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) وهذه الممارسة أراها تتمثل بصورة بينة في المجتمعات النامية التي تفتقد للعلم الشامل وقياساً على واقع الحال للمجتمعات العربية نجد أنها تغلب أحيانًا على التشريعات السماوية والمدنية مما يستوجب مزجها ضمن التشريعات المدنية المقننة وهذا أمر أراها مستوجب.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store