Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

رمضان يستعيد عاداته

A A
لنا في مملكتنا الحبيبة -على اختلاف مناطقها واتساع رقعتها- في رمضان عادات جميلة، طبعت ملامح الشهر في ذاكرتنا، لمن عاشوا في تلك الأجواء الرمضانية المعبأة بالروحانية، حتى في رائحة الشوربة والبهار المعبأ في «صرة» -قطعة شاش تحفظ حبات البهار داخلها-، الروحانية في رائحة السمبوسك وهي تفرد ثم تقلى، في رائحة المستكة وهي تترع بطون الأكواب تطيّبها!.

في صوت المقرئ ينطلق من المذياع، «تضبط» عليه ربة البيت المنهمكة في المطبخ توقيت رفد المائدة بالأطباق، وتجهيز القهوة العربية، أو خبز صينية الكنافة!.

كل هذا النشاط المادي يكتنفه ويتخلله الجو الروحاني طول اليوم، لذلك كان النشاط الاجتماعي واجتماع الأهل على المائدة الرمضانية جزءًا من هذه المنظومة الروحية المادية الاجتماعية!.

طمستها سنوات ظلامية اجتهد خلالها بعضٌ ممَّن نصَّبن أنفسهن داعيات بترهيب النساء من الانشغال في شهر رمضان بالمطبخ واستقبال الضيوف على مائدة الإفطار، بل حرضنهن للتفرغ للعبادة والمنافسة على ختم القرآن حتى أصبح عدد الختمات التي ينجزنها مباهاة ومناظرة، ربما دون تدبر وتفكر وتأنٍ أثناء التلاوة.

أمام ذلك الترغيب في الأجر؛ والترهيب من التفريط في الوقت من أجل إعداد مائدة رمضانية يلتف حولها الأهل والأحبة؛ كشَّت الموائد وانكمشت، وفي المقابل انشغل الشباب والأطفال بملء الفراغ اليومي بأجهزتهم الذكية، أو التسكّع في المقاهي والمطاعم والشوارع.

دعوات الأهل والأصدقاء على مائدة الإفطار أو السحور تملأ المنزل بهجة، رغم ما يكتنفها من إرهاق لربة البيت، لكنها تحدث حركة وتغيرًا في المنزل.

رمضان شهر واحد في العام، لا أحد ينكر ذلك، ولا أحد ينكر أهمية استغلال كل لحظة فيه للتقرب إلى الله بكل عمل صالح، ولا أحد ينكر أننا نتحرَّق شوقا إلى روحانية أيامه، وشفافية لياليه، فالأمر لدى الكثيرين كذلك على وجه ما- حيث يستحق هذا الاحتفاء الروحي لكن هذا لا يعني تعطيل الأنشطة الأخرى خلال شهر رمضان؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد لعطل وظائف الجوع والعطش والغرائز والنزوع إلى الاجتماع، لأن جمال الطاعة وقيمة العبادة تنبثق من نبع المجاهدة التي تختلف نسبتها باختلاف البشر.

يقول المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري: «الصلاة ليست مجرد اجتماع الناس لأداء الصلاة في جماعة، ولكنها أيضا مناسبة لتنمية العلاقات الشخصية المباشرة، وبهذا الاعتبار تكون الصلاة ضد الفردية والسلبية والانعزال، فإذا كانت الحياة تُفرِّق الناس، فإن المسجد يجمعهم ويربط بينهم».

الصلاة في رمضان تمثل قمة النشاط الروحي، المادي الاجتماعي، لذلك تميز بها هذا الشهر، رغم أن «الصوم» هو العمود الفقري لرمضان، إلا أن الحرص على صلاة التراويح في المساجد أصبح ضرورة يومية لدى الجميع، وهو مظهر ديني وروحاني يضفي على رمضان لون مختلف من الروحانية الاجتماعية.

تبادل الفعل بين الأنشطة المختلفة لا يعطلها شهر رمضان، بل يُفعِّلها ويُنمِّيها ليكتسب فيه الإنسان مزيداً من الترقي.. «من أفطر صائما فله مثل أجره».

عاد رمضان ليستعيد عاداته، ليفرض روحانيته في تكامل وتناسق، فعاليات في كل مكان، اجتماع الأهل والأحبة على مائدة الإفطار أو السحور عادت إحدى أهم مظاهر رمضان في مملكتنا الحبيبة.

هذا لا يعني أن الجميع يفعل ذلك، لكن على الأكيد الأغلبية تفعل، وقلة لازالت رهينة ترسبات الأفكار التي فرقت وباعدت، وربما تلك قناعات أسر أو أفراد، لكن الأغلبية تستعد لشهر رمضان بكل جديد وجميل؛ من أجل مائدة رمضانية يحضرها الأهل والأحبة، وإلا لماذا تزدحم الأسواق، والشوارع تختنق من شعبان، لولا حرص النساء على عادات رمضان التي تميز البيت السعودي خاصة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store