Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

الصابئون!!

A A
قرأنا في القرآن الكريم كلمة «الصابئون» في ثلاثة مواقع، بدءاً من سورة البقرة، ثم في سورة المائدة، ثم في سورة الحج، ولعل البعض منَّا يُدرك معنى واضحا لهذه الكلمة التي تعدَّد ذكرها، وقُرِنَت بملل الإسلام واليهود والنصارى، التي وعد أهل الإيمان منها بالنجاة والفوز، نعرف جميعهم بمعتقداتهم وأصول دياناتهم وتفصيل العلماء في حقائقهم جميعاً، ما عدا الصابئون، فإنهم وإن تكرَّر ذكرهم في القرآن الكريم، شح الحديث عنهم، والكشف عن حقيقة قوم ورد ذكرهم في كتاب الله.

وأما عن منشأ الصابئون الفعلي في بعض ما نُقِلَ في كتب المفسرين وكتب التاريخ، أن هذه الفرقة كانت موجودة، وذات مذهب ديني وفكري قبل الديانة اليهودية والنصرانية، وكانوا موحّدين لله، ولكنهم يعجزون بالوصول إليه إلا من خلال الوسطاء والروحانيين، وقد كانوا من أتباع النبي إبراهيم عليه السلام، أو كانوا يأخذون بعض تعاليمه لاستكمال دينهم، وقد أصيبت كغيرها من الفرق بالتعددية، فانحلت إلى عدة فرق، فقسم منهم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتعاليم النبي إبراهيم، وهم المشهورون بالحنفاء، وفرقة أخرى اشتهرت باسم الحرانيون، ومستوطنهم منطقة حران، في الشمال الغربي من الموصل، وقد ابتلوا بنفس المصير الذي ابتلي به اليهود والنصارى، فقد انحرفوا عن التوحيد الحقيقي، والمعارف الإلهية، واتجهوا إلى نجوم السماء لا لعبادتها، بل للتوسل بها والتوسط بها إلى الله تعالى، وقيل عنهم أيضاً أنهم يعبدون الملائكة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الصابئة قوم تركوا دينهم، وليس لهم دين، كما تدل عليه أصل الكلمة، حين يقال في اللغة العربية: صبأ الرجل، إذا ترك دينه، وأخذ مكانه دين آخر.

من الأصول العقائدية التي ارتكزت عليها الصابئة، وميزت الصابئين عن غيرهم من ذوي الملل المختلفة، هو الإقرار بالله تعالى، فالصابئة تؤمن بالله تعالى وبوجوده، وبقدرته وحكمته في تدبير الكائنات، لكن يدّعون أنهم عاجزون عن الوصول إليه إلا بوساطة الروحانيين، وأن الكواكب والأجرام الفلكية هي هياكل هذه الروحانيات، ومنهم من يقصد بالروحانية؛ الملائكة، إلا أنهم يُنكرون أن تكون هذه الروحانية بشرية أو جسمانية، لذلك اشترطوا أن تكون قدسية الإيمان بالأنبياء أن الصابئة يرون أن دعوة الأنبياء حق، لكن لا يتعين أن تكون طريقاً للنجاة، ووظيفة الأنبياء عندهم تهذيب النفوس والأخلاق من الرذائل والأدران، وأن من استجاب للأنبياء فهو سعيد، ويرى الصابئة أن الله خلق الأفلاك، وفوض إليها تدبير شؤون الكون، فكانت أولى بالعبادة من شرائع أهل الملل، وقد أضاف ابن القيم لما سبق أن الصابئة يأخذون بمحاسن أهل الشرائع، ولا يُوالون أهل ملة، ويُعادون أخرى، ولا يتعصَّبون لملةٍ على ملة، والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا، بل يُؤخذ بمحاسنها، وما تكمل به النفوس وتتهذب به الأخلاق فقط.

بقي من القول، اتفقت أقوال الفقهاء في صابئة أهل الكتاب؛ أنهم يُلحقون بأهل الكتاب، ويُعاملون بمثل ما يُعامل اليهود والنصارى، وإنما اختلافهم في تحديد أي أهل الكتاب ينتسبون، وصحح الشافعية في المذهب واختاره ابن قدامة أن الصابئة إن وافقوا اليهود أو النصارى في أصول دينهم من تصديق الرسل والإيمان بالكتب كانوا منهم، وإن خالفوهم في أصول دينهم كان حكمهم حكم عبدة الأوثان، والله أعلم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store