في بيت الله الحرام، وفي مهبط الوحي، ومنبع الرسالات السماوية في مكة المكرمة، يلتقي الإنسان بعالم الحقيقة، ليشعر بخروجه من دنياه إلى ربه -عز وجل- وهنا في بيته العتيق يجتمع المعتمرون والطائفون حول الكعبة، في هذه البقعة الطاهرة، يفدون من كل بقاع الدنيا، مشاعرهم قبل قلوبهم معلقة بالطاعة، يرجون رحمة المولى، يرفعون أيديهم، يسألون المغفرة في هذه الأيام الفضيلة في شهر رمضان المبارك، هذا المقام العظيم وهذه القبلة التي تتوجه لها مشاعر وقلوب المسلمين، ما أجمل شعورهم، يقفون بين يدي المولى حول كعبته المشرفة، يطوفون ويسعون وأيديهم تلمس الملتزم، وأبصارهم إلى حيث وقف المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولقد كان للعشر الأواخر من رمضان عند الحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه أهمية خاصة، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصا فيها على الطاعة، والعبادة، وفي الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت - كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، ومن فضائل هذه العشر المباركات أن فيها ليلة القدر، قال الله تعالى: (حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، هذا الشهر الفضيل، رمضان الخير، الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، وأيامه تمر بسرعة البرق، وفيها ليلة القدر التي تتنزل فيها الرحمات والبركات.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
اللهم اجعل لنا نصيبا من كل خير تنزل فيه، بجودك يا أجود الأجودين، وأذقنا فيه حلاوة ذكرك، وأداء شكرك، واحفظنا فيه بحفظك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا فيه من عبادك الصالحين القانتين المستغفرين المقربين، اللهم اجعلنا فيه من المتوكلين عليك، الفائزين لديك، المقربين إليك، واجعل اللهم سعينا فيه مشكورا، وذنبنا فيه مغفورا، وعملنا فيه مقبولا، وعيبنا فيه مستورا، وارزقنا فيه فضل ليلة القدر.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
