Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

خذ العفو...

A A
استوقفتني آيات العفو في كتاب الله التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، ولعل كلمة الإنفاق هي ما تبدو من المعنى والارتباط بنفقة المال، والعفو هنا قد يدل على ما يتيسَّر من المال في الإنفاق على القريب والمحتاج وغيرهم، ولكن كلمة العفو في قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ معناها كما جاء في تفسير ابن كثير، عن ابن عباس رضي الله عنهما (خذ العفو)، أي أنفق الفضل، وقال البعض خذ من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسُّس، وقال هشام بن عروة، عن أبيه: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، وفي رواية قال: خذ ما عفا لك من أخلاقهم.

وكلمة العفو تعني لغةًً ما يلي: العفو، مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس. وعفوت عن الحق، أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه، وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه، فقد عفوتَ عنه، وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق.. ومعنى العفو اصطلاحًا: هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب.. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وهذا شأن عظيم في العفو وكظم الغيظ، وهنيئاً لمن يقدر عليه ويتحكم به في حياته.

نحن في العشر الآواخر لشهر رمضان المبارك، شهر الخير والرحمات والمغفرة بإذن الله، ويا حظ من يفز بلياليه وعتقه من النار، وما بالك أن يكون مع كل هذا، أن نأخذ العفو ونبادر به، لكي تطمئن قلوبنا وتصفح عن كل ما شعرنا به من ألمٍ ومرارة من الآخرين، ونعفو ونصفح، وأن نمارس العفو الذي نقرأه في كتاب الله قولاً، ونقرنه بالعمل والفعل، ونحتسب الأجر والمثوبة عند الله، الذي لا تضيع عنده مثقال ذرة، فهل من مدّكر؟!.

خذ العفو واتقِ الله واستمع لقوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوىٰ).. خذ العفو لابنك وأخيك، وخذ العفو لأهلك وأقربائك، وخذ العفو لصديقك والرفيق، وخذ العفو لجارك وزميلك وحتى الغريب، وخذ العفو لنفسك، وسوف تحقق الراحة لكل همٍّ، وتجد الفرج لكل ضيق.. خذ العفو وجرب ولن تندم، ومن يعفو يرح نفسه أكثر من المعفي عنه. أنا جربت وعفوت عن الجميع، وارتحت كثيراً ولله الحمد.. أسأل الله أن يلهمنا جميعاً الصواب ونتّجه نحوه.

(فرصة المغفرة نطلبها من الله في رمضان، وفرصة العفو نعطيها لننعم بها باستمرار).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store