Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

سجدة الشعور بحضور الأجل!!

A A
في بدايات مساء يوم (٢٦) من شهر رمضان المُنصرم، خَطَرَ لي الذهاب إلى المسجد لصلاة العصر قبل الأذان بنصف ساعة، وكان المسجد خالياً فجلسْتُ مُتّكئاً على أحد جدرانه أنتظر الأذان، حتّى دون أن أصلّي ركعتي تحية المسجد، وأنا غارق في تفكيرٍ سلبي حول بعض مشكلات الدنيا التي لا ينجو منها أحد.

ودخل معي المسجد أحد جيراني، وهو طبيب مصري يعمل في مستشفى عرفان، واسمه محمود عثمان، وبدأ يُصلّي تحيّة المسجد كعادته، ركعتين خفيفتيْن، لكنّه أطال هذه المرّة السجدة الأخيرة، واستغرقت وحدها حوالى ربع ساعة، ولم أعلم بالطبع ماذا دعا أو ناجى ربّه فيها، لكنّها بدت لي سجدة مُفعمة بالسكينة.

وفي اليوم التالي (٢٧) فوجئت بخبر وفاته، رحمه الله، وكان ذلك بعد خروجه من صلاة العصر التي رأيته فيها يُطيل السجدة، وتحديداً في بيته بعد أذان المغرب مباشرةً، وكان يُجهّز نفسه للإفطار ثمّ التوجّه للمطار للسفر إلى مصر، وعندما تأخّر في الاتصال بزوجته المقيمة هُناك قُبيْل إقلاع الطائرة حسب اتفاقه معها اتصلت هي بزملائه الذين ذهبوا لبيته هُنا واكتشفوا وفاته، فسُبحان الحيّ الذي لا يموت، والرجل أمام عيناي قد سجد لربِّه سجدة طويلة كأنّي بها سجدة شعوره بحضور أجله، واستسلامه الحسن لمصيره، في باكورة ليلة القدر المُباركة.

وأنا هنا شاهد، وأشهد أنّ الرجل كان وقوراً، وخلوقاً، وليس له مشكلات مع أحد، يعني حاله حال نفسه، وأوقاته مُوزّعة بين عمله وبيته وبين المسجد الذي كان إحدى حماماته فلا يترك صلاة فريضة إلّا ويُؤدّيها في المسجد، في الصف الأول على يمين المؤذِّن وقريباً من الإمام، خاشعاً، وقانتاً، ولا أزكّيه على الله لكن هكذا بدا لي، وكان يساعد المرضى، ويصف لهم الأدوية، أو يرشدهم لزملائه الأطبّاء الآخرين إن كانت أمراضهم في غير تخصّصه الطبّي.

وما زلت بعد انقضاء عشرة أيام على وفاته، مدهوشاً ممّا حصل، وإن كان هناك درسٌ تعلّمته فهو أنّ هذه الدنيا هي محطّة عبور للحياة السرمدية، وأنّ الصلاة هي بريد مضمون الوصول وخارق السرعة بين النّاس وخالقهم، وأنّ الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة هي ما يصنع الفارق أمام الخالق، وليس المال والجاه والمنصب، فرحِمَه الله، وأحسن خواتيمنا، و»إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store