Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

العيد فرحة.. رغم المنغصات

A A
الحمد لله الذي أتم علينا شهره الفضيل ونحن بصحةٍ وعافية، فأسبغ علينا نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأهمها نعمة التغلب على الشهوات، والانتصار على الذات، والتي تستحق منَّا الفرح والاحتفاء، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «للصَّائمِ فرحتانِ: فرحةٌ حينَ يفطرُ، وفرحةٌ حينَ يَلقى ربَّهُ». حيث أعطي المسلم رخصة الإفطار بعد الصيام والأكل والشراب وجميع الملذات التي تُحرَّم وقت الصوم.

نعم.. إنه العيد الذي يحتفي به الكبير والصغير.. والغني والفقير، وبما يتيسر له من أسباب الخير والمنح الربانية؛ من لبسٍ جديد، وحلوى وعيدية.. إنها حالة من السعادة الشاملة الكاملة؛ التي تعم الأسر الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.. كل حسب ثقافته وتقاليده وعاداته، مع إضفاء الجماليات الحديثة.

ولعل صلاة العيد هي أولى مظاهر الجمال في العيد، والتي يسن حضورها للنساء أيضاً، حتى مع وجود عارض عدم القدرة على الصلاة.. وليس آخرها الاجتماعات واللقاءات العائلية على موائد الإفطار والعشاء، فتتصافح القلوب قبل الكفوف.. وتتعانق البسمات قبل الأجساد، في مظاهر تُعزِّز من الروابط الاجتماعية والعلاقات الإنسانية السامية.

ومع ذلك، كانت هناك منغصات قللت من بريق الفرحة في النفوس، ومنها: فقد أعزاء غاليين على القلوب، أو نقلهم للعناية المركزة جراء حوادث مرورية في آخر ليلة من رمضان في لحظات استنفار وزحام شديد لقضاء بعض الحوائج، والتي يفترض القيام بها مبكراً خلال الشهر، أو ما قبله لو كانت هناك خطة مدروسة لكل الاحتياجات، وهي ما ينبغي ان ندرب عليها أبناءنا لتكون انطلاقة لوضع الخطط المستقبلية في كل أمور الحياة.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، لا زال بعض المشاة في بلادنا يُعانون الأمرين جراء حوادث الدهس، لعدم وجود إشارات خاصة للمشاة في الطرقات والشوارع، مع أنني سبق وأن كتبت موضوعاً في هذا الشأن بعنوان: (وهل يطير المشاة؟)، ولكن للأسف أمانات المدن ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة النقل بالتنسيق مع إدارة المرور لم يُحرِّكوا ساكناً بوضع إرشادات وإشارات مرورية للسائقين، لاحترام سلامة المشاة، خاصة في الأحياء المكتظة بالسكان، وإفساح المجال لهم للعبور.. وبقيت الحوادث، وفي نفس الأماكن تتكرَّر على مدار الأيام!!.

ولعل من المنغصات، أن البعض لا يزال يعيش في غطرسة الأحقاد والأنا والكبرياء المزيفة.. فلا يُسلِّم على فلان، لأن بينهما خصومات سابقة لا يعرف فيها مَن المخطئ ومَن المجني عليه.. نتيجة سوء فهم للأحداث.. فتستمر الخصومات وتتوارثها الأجيال رغم الوعي الذي انتشر من وسائل التواصل؛ فمرت ليلة ١٥ من شعبان، والتي عُرِف في فضلها أن الله ينزل للسماء الدنيا، فيغفر لجميع الناس إلا المشرك والمشاحن.. ومع ذلك لم يلق لها بالاً..!! ومر رمضان والذي يتغلب فيه على الذات، ولكنه لم يملك زمام نفسه الحاقدة وهو بذلك يخسر دنياه وآخرته.. والأسوأ من ذلك، حينما يكون هذا السلوك من الصغير لمن هو أكبر منه سناً وعلماً ومركزاً اجتماعياً، والرسول الكريم يقول: (ليس منَّا مَن لم يُوقِّر كبيرنا)؛ توبيخاً لهم على صنيعهم، فأين هؤلاء من هذه القيم، وعلى ماذا تربوا؟!، وكيف اكتسبوا تلك الصفات الذميمة من الأحقاد والتكبر على الكبار.. إنها حتماً التربية التي عاشوا في كنفها..!! والتي يلحظها الناس في تعاملاتهم مع الآخرين.. مع أن سلوك المصافحة من أعظم الآداب الإسلامية، ومن آثارها أنها تُذهب الغل والحقد، وقد جاء في أثرها «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا».

ومن المنغصات، قلب موازين الليل والنهار، وتضييع الأوقات والصلوات، فتذهب لزيارة البعض حتى بعد المغرب والعشاء، فلا تجد أحدا في استقبالك، الكل لا يزال نائماً..!! أو وصول هؤلاء متأخرين للمعايدة إلى ما بعد الساعة ١١-١٢ منتصف الليل!!.

وأخيراً، لا ننسى المنغصات السياسية، وأعني الحرب الطاحنة في السودان الشقيق بين جنرالات، وتنازع على السلطة في حرب تأكل الأخضر واليابس، في بلدٍ أصله منهك اقتصادياً بعد سلب ثرواته من النظام السابق، وترك الشعب في جوعٍ وفقر مدعق.

كم هو مؤلم أن ترى تلك الوجوه الشاحبة تئن على فقد أحبائها في تلك الحرب الطاحنة، التي لا رابح فيها سوى أعداء الأمة من قوى عالمية وإقليمية!!.

ومع ذلك، يظل العيد هو المناسبة الأعظم في نفوس المسلمين كشعيرة إسلامية؛ رغم الآلام، وخاصة لمن يعيش في سلامة الصدر، ونقاء الروح، وعظمة الشخصية في العفو عن الناس والتسامح.. وهي قيم قد لا يدركها الجهلاء.

وكل عامٍ وأنتم بخير وسعادة بجمال أرواحكم النقية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store