Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

المملكة.. تصلح ذات بين السودانيين

A A
منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس المغفور له -بإذن الله عبدالعزيز آل سعود- فقد اهتمت بالتعاطي الإيجابي والتعامل الإنساني مع قضايا المنطقة والعالم، واعتمدت نهجاً ثابتاً يقوم على تقديم المساعدات الإنسانية بكافة أنواعها للمحتاجين، دون وضع اعتبار للجنس أو اللغة أو الدين، بل إن العامل الإنساني ظل هو الدافع الرئيسي، والأمثلة على ذلك متعددة، وأكثر من أن يتم حصرها في مثل هذه المساحة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية انشغل العالم بتفجر القتال في السودان الشقيق بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما أدى إلى محاصرة المدنيين، وبينهم الآلاف من رعايا الدول الشقيقة والصديقة، الذين وجدوا أنفسهم فجأة عالقين وسط أزيز الرصاص ودوي المدافع.

هنا اضطلعت المملكة بدور قائد ورائد يشبهها تماماً، وسارعت إلى إجلاء مواطنيها من السودان، ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بإجلاء رعايا 26 دولة بكل اقتدار، حيث لم تفرق بين رعاياها ومواطني الدول الأخرى، بل إن بعض عمليات الإجلاء لم يكن بينها مواطن سعودي واحد، وعند اكتمال العملية بلغ عدد غير السعوديين الذين تم إجلاؤهم بجهود سعودية 2034 شخصاً، ينتمون لـ26 دولة.

لم تكتفِ القيادة السعودية -التي اعتادت التعامل مع الجميع بمنتهى الكرم والأريحية- بمجرد الإجلاء، بل تم التعامل مع هؤلاء على أنهم ضيوف للمملكة، حيث تم تقديم الرعاية الصحية لهم، وتم تسكينهم في الفنادق، وتوفير الطعام والشراب لهم، إضافة إلى تسوية وضعهم القانوني كونهم دخلوا البلاد بدون الحصول على تأشيرة، وقد عاد معظم هؤلاء إلى بلدانهم، وألسنتهم تلهج بالشكر للسعودية وقيادتها الرشيدة على ما وجدوه من كرم وحسن ضيافة.

بعد ذلك؛ انتقلت السعودية إلى الدور الذي ينتظره منها العالم أجمع، فعندما بدأ الحديث عن محاولات الإصلاح بين الأشقاء السودانيين، تطلعت الرؤوس نحو المملكة للقيام بهذه المهمة الإنسانية، واتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المملكة هي أنسب مكان لهذه المهمة، بسبب العديد من المزايا التي تتمتع بها، وفي مقدمتها أنها كبيرة العرب وقائدة الدول الإسلامية، والأرض التي شهدت مهبط الوحي، والتي تضم الحرمين الشريفين، وهو ما يمنحها مكانة روحية خاصة وفريدة في قلوب كل المسلمين.

كذلك، فإن المملكة تتمتع بعلاقات متميزة مع السودان، حكومة وشعبًا، ويجد قادتها تقديراً كبيراً في نفوس ذلك الشعب الطيب النبيل، وقد لمست ذلك بنفسي من واقع دراستي في السودان، حيث لم أشعر يوماً بأنني غريب عنهم، أو بعيد عن بلدي، بل كنتُ أحس بأنني وسط إخوتي وعشيرتي، ولا زالت تجمعني بزملاء الدراسة علاقات صداقة، ونتبادل بانتظام الرسائل والاتصالات الهاتفية رغم مرور سنوات طويلة.

ومع أن سياسة المملكة قامت منذ تأسيسها على بناء علاقات مستقرة مع كافة دول العالم، إلا أن العلاقة مع السودان تمتاز بوضعٍ خاص، حيث لا ننظر إلى السودانيين على أنهم مجرد أشخاص يعملون في بلادنا، بل هم إخوة أشقاء يجدون منَّا كل التقدير والاحترام، لما يحملونه من صفاتٍ كريمة وشهامة ومروءة.

الآن يجلس السودانيون في جدة بحثاً عن حلول سلمية للمشكلة بوساطة سعودية وأمريكية، وتتجه أنظار أقاربهم إليهم أملاً في أن يقوموا بتغليب صوت العقل، والانحياز لرغبات شعبهم الذي هو أبعد شعوب العالم عن العنف والدمار، وأقربهم إلى الاستقرار والسلم.

من هذا المنبر أقول لهم: إن التاريخ سوف يحكم عليهم بناء على تجاوبهم وحرصهم على مصلحة شعبهم، وإن شعبهم الكريم لا يستحق هذه المعاناة، وإن نزيف الدماء بين أبناء الوطن الواحد لن يجعل هناك منتصراً بين المتحاربين، لأن الدم واحد والشعب واحد.

وعليكم إدراك أن الحرب لن تجلب الاستقرار والأمن، ولكم فيما شهدته سورية واليمن ومن قبلهما لبنان أكبر عظة وعبرة، وكلما طال أمد القتال؛ ازدادت صعوبة العثور على حلول سياسية، وكلما تزايد سيل الدماء ابتعد الجميع عن طريق العودة وتوغل في اتجاه المجهول، وأتمنى أخيراً أن يُوفِّق الله بين الجميع، وأن يحفظ شعبكم الأبي الكريم من كل سوء، ويمنّ عليكم بالأمن والأمان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store