Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

عندما يحارب دونالد ترمب طواحين الهواء

A A
تعهد المرشح الرئاسي الأمريكي، المثير للجدل، دونالد ترمب، أنه سيقضي على ما سمَّاه «الدولة العميقة» فيما إذا فاز بالرئاسة خلال الانتخابات القادمة.. بينما واصلت مختلف الأجهزة الإعلامية والرسمية حملة لتشويه سمعته وإدخاله السجن. وإن كان يبدو حتى الآن أنه عصي على التشويه أمام أنظار مناصريه من الناخبين في الحزب الجمهوري، وليست هذه هي المرة الأولى التي يندد فيها ويهدد «الدولة العميقة»، إذ كانت تلك من أولى المهام التي تعهد بها عندما فاز بالرئاسة منذ بضع سنوات، ولكن لم نشاهد نتائج لحملته تلك.

هل يمكن لترمب إذا ما فاز بالرئاسة هذه المرة أن ينفذ وعيده بالقضاء على «الدولة العميقة»؟، لا أعتقد ذلك.

ما يسمى الدولة العميقة هو تعريف واسع لقوى غير منتخبة حسب النظم الديموقراطية في الدول الغربية، ولكنها تمارس نفوذاً في إدارة البلاد، ولا يعرف الكثير عن طريقة عملها، ولا تجري محاسبتها. وقد أتاح نظام الحكم الديموقراطي وجود هذه «الدولة» داخل جزء من تنظيمات، غير رسمية مختلفة، كما أنهم يمثلون توجهات سياسية متعددة يساراً أو يميناً. وتميل كفة أحد هذه التوجهات في فترة ما حسب ظروف متنوعة.

القوة الرئيسية والمهيمنة في الدولة العميقة هي المال، إذا احتاج المرشح للبرلمان أو أي منصب إلى مال للصرف على حملته يوفرونها له، وإذا رغبت القوات المسلحة إلى أسلحة ومعدات حربية، يقومون بتمويلها. وكمثال فإن التوسع الاستعماري الأوروبي تم على يد أصحاب المال.

في بريطانيا أنشئت، شركة الهند الشرقية، حوالى عام 1500، وقامت هولندا بمنافستها عبر إنشاء شركة الهند الشرقية الهولندية، وأصدرت الملكة أليزابيث الأولى، ملكة إنجلترا، مرسوماً باعتماد إنشائها، ومنحت «شركة الهند الشرقية» سلطات احتكارية على تجارة الهند وجميع الأراضي التي يمكنها الاستيلاء عليها. وهو تفويض حظيت به الشركة الهولندية من حكومتها، وتفرعت عن كل منها شركات أخرى لرجال أعمال أوروبيين، وأقامت الشركتان أجهزة أمن وجيوشاً في المناطق التي احتلتها. وتحولت الشركة البريطانية بعد ذلك من شركة مساهمة عامة إلى مؤسسة تحكم جميع الولايات الهندية وجميع مستعمرات التاج البريطاني.. وكذلك فعلت دول أوروبية ديموقراطية أخرى كالبرتغال والدانمارك وفرنسا.

وواصلت القوة المالية هيمنتها على السياسة في دول أوروبا، وتمكنت من نقل نفس النظام الديموقراطي لديها إلى الأمريكتين وأستراليا وكثير من مستعمراتها الأخرى. وأصبحت شبكة الخدمة المدنية في كل وزارة تتأثر بما يريد رأس المال تحقيقه. وفي الثمانينيات ميلادية بثت هيئة الإذاعة البريطانية مسلسلاً تلفزيونياً (استمر من عام 1980 إلى 1984) كان عنوانه: «نعم، أيها الوزير» (Yes, Minister)، يتحدث بأسلوب ضاحك عن دور الخدمة المدنية البريطانية في مواجهة مكتب الوزير ودفع سياساته بالاتجاه الذي ترغب فيه. وبسبب نجاح المسلسل الساخر بثت مسلسل آخر عام 1986 قائم على نفس الفكرة ونفوذ (الخدمة المدنية) تجاه مكتب رئيس الوزراء بعنوان: «نعم، رئيس الوزراء»، Yes, Prime Minister وقالت مارجريت تاتشر التي كانت رئيسة للوزراء أنها استمتعت بمشاهدة بعض حلقات هذا المسلسل.

الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية قوية، وهي تشمل سياسيين ومن الخدمة المدنية والعسكرية، بل هناك من القضاة والمشرعين من يميل إليها. وهي لا تمثل اليسار فحسب، وإن كان هذه الأيام أكثر قوة من قبل، بل هناك فترات يكون اليمين أو الوسط مسيطراً على توجهاتها.

ونشر أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي، ديفيد روتكويف، كتاباً صدر العقد الماضي تحت عنوان: «الطبقة الخارقة.. التسلط العالمي، وأي عالم تبني». ويقول أن الفكرة من الإنفاق العسكري الأمريكي هو «بهدف تجنب ركود اقتصادي بعد الحرب (العالمية الثانية)، وتحتاج أمريكا إلى تأسيس (اقتصاد حرب دائمة)».

كل هؤلاء وغيرهم عناصر «الدولة العميقة»، ولن يتمكن دونالد ترمب من أن يغير ذلك، علماً بأنه رأسمالي كبير كان ولا يزال جزءاً من الدولة العميقة، ولكنه يميل إلى اليمين نسبياً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store