Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

ثقوب في صدر الرجل!!

A A
يحكى أنه كان هناك شاب عصبي المزاج، وكان دائمًا (ما يتصادم مع الناس متمسكاً بمبادئه وقناعاته)، كان والده رجلاً حكيماً له خبرة كبيرة بالحياة، وقد لاحظ هذه الصفة فيه، فقرر أن يعلمه درساً ليصلحه، فأحضر له كيساً مملوءاً بالمسامير، وقال له يا بنى؛ كلما فقدت أعصابك، قم بدق مسماراً واحداً بالسياج الخشب لحديقة المنزل!!

نفذ الشاب نصيحة والده، لكن الأمر لم يكن سهلاً فهو يحتاج جهداً ووقتاً كبيراً، وفي اليوم الأول قام الولد بدق 37 مسماراً وتعب، فقرر أن يحاول تمالك نفسه عند الغضب، حتى لا يتكبد عناء دق المسامير، ومع مرور الأيام نجح الولد فى إنقاص عدد المسامير التى يدقها يوماً بعد يوم، حتى تمكن من ضبط نفسه، وتخلص من تلك الصفة للأبد!!

لقد أمعن ذلك الحكيم كثيراً بتربية ولده الشاب، حتى صنع منه اليوم شاباً ساذجاً رخواً ضعيف الشخصية، شاباً قد يخسر وظيفته، قد يخسر بيته، وحضانة أطفاله، قد يهدر وقته ويضيع أمواله، قد يفقد صحته وثقته بنفسه، ويصبح أشبه ما يكون بجندي مسير يتوسط (رقعة شطرنج) يتم تحريكه للأمام كدرع بشري بكل معارك الحياة!!

لقد بالغ ذلك الحكيم -إن كان حكيماً فعلاً- بتهذيب ولده الشاب، حتى فقد هيبته وكلمته بأوساط مجتمعه، حتى أصبح لقمة سائغة بفم كل الطامعين به: المرأة، والمدير، التاجر، والمقرض، القاصي والداني، وباتت خيبات الأمل تلاحقه، حتى فقد شهيته بالحياة، واستحال "جهاز صراف آلي" مهمته حفظ الأموال قبل إرشاد من يستغلونه عن كيفية صرفها دون وصل استلام!!

لقد أسهب ذلك الحكيم -وشكله لا حكيم ولا يحزنون- بتأنيب ولده الشاب وهو ينهي حكايته: بمطالبته بإخراج المسامير من السياج، ورغم استغراب الشاب إلا أنه استجاب، وأخرجها جميعاً، ليرد عليه والده: أحسنت صنعاً ياولدي، لكن: انظر لتلك الثقوب المحفورة بالسياج، إنها آثار ألفاظك وتصرفاتك عند الغضب، لأنك قد تعتذر بعدها ألف مرة لظنك بأن الآثار ستمحى، لكنها ستترك ندوباً عميقة بنفوس الآخرين!!

لقد غرر ذلك الحكيم -اللي طلع من جنبها- بمبادئ وقناعات ولده الشاب، حتى وضعه بحكمته العقيمة، بعد أن كبر وصار رجلاً، مكان السور الخشبي لحديقة الحياة، ليقصده كل من يريد التنفيس عن غضبه، ويدق فيه مساميره، حتى امتلأ صدره عن آخره بالثقوب العميقة!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store