Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

ده

A A
العنوان من الكلمات العامية الجميلة بمعني «هذا» أي الاختيار.. وموضوعنا اليوم عن إحدى أصعب الاختيارات، وهي اختيار رواد الفضاء الذين لم يتجاوز عددهم حوالى الستمائة إنسان عبر التاريخ.. ولكن قبل الخوض في التفاصيل، وبمناسبة الحديث عن الفضاء، فأود أن أذكر أنني ممن يعتقدون بوجود مخلوقات في غاية الذكاء على كواكب أخرى، وأنهم على تواصل مع بعض الناس على كوكبنا، وإحدى مبررات هذا الاعتقاد؛ هو أنني واجهت صعوبات كبيرة في حياتي في اجتياز العديد من الاختبارات، بسبب الأسئلة الصعبة جداً التي تبدو وكأنها وضعت من أناس من كواكب أخرى. أمتلك درجة عالية من الاحترام لمن يجتاز اختبارات القبول الصعبة جداً، وبالذات لرواد الفضاء. وقد حالفني الحظ أن أُقابل بعضاً منهم من دول مختلفة، وبالرغم من الاختلافات الهائلة بينهم؛ إلا أنهم يشتركون في ميزة واحدة، وهي التميُّز في العديد من الكفاءات والخصال، واجتياز اختبارات بدنية وذهنية مذهلة، بعضها غير متوقعة.. وعلى سبيل المثال، ففي وكالة الفضاء اليابانية «جاكسا» يختبرون قدرات المؤهلين لريادة الفضاء في العديد من القدرات، منها الدقة، والصبر، واحترام عمل الفريق، والفن.. وتنعكس بعضها في صناعة الأوز الورقي الصغير المعروف باسم «أوريجامي»، وهو ضمن العادات اليابانية التقليدية. ويصل عددها إلى الألف أوزة لكل مؤهل.. تخيل ألف وزة!!.. وبعض المعايير هي دقة، وجمال الأوز الورقي للمؤهلين.. هذا على الصعيد الشخصي، وأما قدرات عمل الفريق، فلها معاييرها الغريبة أيضاً، ومنها التصرفات عند تناول الطعام ضمن مجموعات الرواد المرشحين.. من سيبدأ بتناول الوجبة.. وهل يعكس ذلك مؤهلات القيادة أم الجشع.. وهل سينهي محتويات صحونه بالكامل، أم سيترك شيئا ليعكس التبذير.. وهل سيترك صحنه نظيفاً، أو سيتكل على من ينظف الصحن؟.. كل هذه الاختبارات الخفية، وأكثر من ذلك بكثير تدخل في تأهيل ريادة الفضاء، ناهيك عن الاختبارات الصعبة جداً في الرياضيات، والعلوم، والهندسة، والمعرفة العامة. ومن الاختبارات الجديرة بالذكر أيضاً هي تغيير أو إلغاء مواعيد التدريبات في ساعة متأخرة من الليل هاتفياً بدون أي تعليل.. ثم قياس ردة فعل المتلقي.. سماع نبرة صوته، واستشعار رد فعل المضايقة إن وجدت، ومساءلة المتصل عن الأسباب إن وجدت. كل هذه العوامل هي قطرات صغيرة ضمن معايير الاختيار للوصول إلى «دا».

ومن المفارقات العجيبة أن أيام زمان كان معظم رواد الفضاء من الطيارين العسكريين، وكان التفضيل لطياري المقاتلات أو طياري الاختبارات الذين يتمتعون بعدد كبير من ساعات الطيران، وبقدرات هندسية أيضاً. وللعلم، استمر الوضع إلى أن هبط الإنسان على القمر، ومن الاثني عشر رائداً الذين هبطوا؛ كان واحد منهم فقط من العلماء، وهو الجيولوجي الدكتور «هاريسون شميدت». وأما اليوم فنسبة كبيرة من الرواد هم من العلماء، وكمثال، ففي رحلة الفضاء الحالية «إي إكس 2» التي تحمل رواد الفضاء السعوديين، نجد أن نصفهم من العلماء في مجال العلوم الطبية والأحياء والكيمياء، والنصف الآخر من الطيارين.

* أمنية:

الحمد لله الذي سخَّر لوطننا الوصول إلى المستوى المرموق في العلوم والتقنية بشكلٍ عام، وفي استكشاف الفضاء بشكل خاص على يد الرواد الأمير سلطان بن سلمان عام 1985، والعالمة الرائعة ريانه البرناوي، والطيار المتألق علي القرني اليوم. أتمنى أن يدرك الجميع أن روادنا ليسوا ضمن فئة «سياح فضاء»، فهم أخصائيو حمولات ومهمات، وهي فئة تختلف تماماً عن السياحة الفضائية، وقد خضعا لاختبارات عديدة شاقة جداً عبر السنوات الماضية لاختيارهما من ضمن آلاف المرشحين المؤهلين بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store