Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

اليمن ولبنان.. والتشابه بينهما

A A
خلال الفترة التي عقد فيها مؤتمر القمة العربية في بيروت 2002، كنت أتناول القهوة في فندق فينيسيا الفخم مع الصديق عبدالرحمن الراشد، والكاتب الكبير الأستاذ سمير عطا الله، وقلت للأستاذ سمير مشيراً إلى ما يحدث في لبنان، ألا تعتقد أن الجو السياسي اللبناني يشابه إلى حدٍّ ما الجو السياسي القبلي في اليمن؟.. وابتسم الأستاذ سمير ولم يُعلِّق. وتذكَّرت هذا الأمر يوم السبت الماضي وأنا أقرأ مقالاً في صحيفة (النهار) اللبنانية للأستاذ سركيس نعوم، بدأه بالقول: إن لبنان تتحكم فيها الطوائف والمذاهب والجهات الخارجية. وكنت أفكر في كتابة موضوع عن السلام الذي تبحث عنه اليمن هذه الأيام، ولفت نظري هذه الفقرة في المقال: «الأوضاع تمثل بانتهاء دولة لبنان، وانهيار مؤسساتها، وانقسام شعبها شعوباً متجاهدة، ومتقاتلة، ومتكاذبة، وانهيار عملتها الوطنية، وغرق معظم المنظومة السياسية الحاكمة فيها في الفساد بكل أنواعه».. وتساءلت بيني وبين نفسي: ألا يتشابه هذا مع ما يقوله بعض اليمنيين حول حالهم. والمعاناة التي يعيشونها؟.

الحل الأمثل لليمن؛ هو أن ينسحب جميع النخبة السياسية الحاكمة من السلطة، ويقيموا دولة اتحادية يتم اختيار قادتها عبر نظام تشريعي يتم تداول السلطة عبره. ولكن هذه مجرد أحلام يقظة ليس إلا. مليشيات الحوثيين لديها وجهة نظر تنبع من موقف استعلائي متغطرس، وينطلق من فكرة طائفية تقوم على الحق الإلهي في الحكم. وفي الجانب الآخر فإن هناك تبايناً سياسياً واضحاً تعاني منه الشرعية اليمنية، إذ على الرغم من التقائها في مواجهة الحوثي ومشروعه، إلا أنها تختلف فيما بينها، حيث تضم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبنى مشروع استعادة الجنوب كدولة، وقوات المقاومة الوطنية، وأحزاب متعددة مثل حزب الإصلاح، «الإخواني الميول». وتكاد أن تنعدم الثقة بين مختلف الأطراف بما في ذلك الثقة بالحوثي وما يقوله.

ومن الصعب، أو يكاد يكون من المستحيل، إقناع الشعب اليمني بالعودة إلى وحدة يمنية قوية، إذ عاش الجنوبيون خلال فترة الوحدة (تمت عام 1990) كمواطنين من الدرجة الثانية، نتيجة لمعاملة النظام القائم في صنعاء لهم في تلك الفترة، ولم يتم تصحيح هذا الأمر. ويعود الحوثي الآن ليتحدث عن أنه له «حق إلهي في الولاية»، واستخدم سلطته في صنعاء أسوأ استغلال، وأشهر سلاحه في حرب غاشمة ضد المكونات اليمنية الأخرى. وهناك مشاكل قبلية عديدة على ساحة اليمن شمالاً ووسطاً وجنوباً، وليس من المتوقع حلها بجرّة قلم. بل سيكون من الجيد أن يتفق اليمنيون على أنهم بحاجة إلى بناء الثقة فيما بينهم، ثم ينتقلون إلى الخطوات العملية لإعادة بناء الدولة اليمنية.

ولدي ملاحظة في ما يتعلق بالجنوب، فالسعي لإعادة «جمهورية اليمن الديمقراطية» لن يكون حلاً مناسباً، إن أتيح للجنوبيين تحقيقه، بل يجب العودة إلى وضع عادل بالنسبة للجنوب، فخلال الجمهورية الجنوبية تم قتل القادة لبعضهم البعض، وشنت حروباً أهلية، وسحل عديدون بأبشع الطرق في الشوارع. واسمحوا لي أن أذكركم بأنه في العهد الاستعماري البريطاني أنشيء اتحاد، ضم 12 سلطنة ومشيخة، وولاية عدن. لم تدخل به سلطات حضرموت ويافع العليا. ولكنه كان سلمياً وإلى حد ما ديموقراطياً. وكانت عدن مثلاً ونموذجاً للمستقبل بمينائها الحر، وانتخابات مجالسها البلدية والتشريعية، وحرية إقامة الأحزاب والنقابات وقيام المظاهرات وغير ذلك، مما كان يعطي للبلد حيوية حقيقية. وإن كان بحدود يضعها المستعمر. فإذا كانت هناك بالفعل إمكانية لإعادة بناء نظام ما ضمن النظام اليمني، فمن الضروري النظر لكل هذه الأمور بعين الاعتبار.

الأمل هو أن يتفق اليمنيون على أن بينهم خلافات، ولكن بالإمكان حلها، وإن طال الزمن لبعضها، ليس عبر تحقيق كل شيء لأي طرف، بل لحلول وسطية مريحة أو مقبولة للأطراف كافة، وليس عبر السلاح، وعليهم العمل لإقامة دولة، آخذين في الاعتبار المرجعيات الثلاث، ممثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية ذات الصلة، لأن كل هذه ثروة سياسية كبيرة تم وضعها بالنظر إلى اليمن، وأخذاً بالحسبان مصلحة الشعب اليمني، وليس أي طرف فيه، ويمكن أن تكون أساس المخرج للحل المناسب لليمن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store