Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الصورة.. أم المناسبة ؟!

A A
عشت وتعايشت مع كل المستجدات التي اقتحمت حياتنا فجأة، لكن ضمن إطار الحاجة والمنفعة، أي الحاجة إلى استخدام كل الوسائل والأجهزة والقنوات، سواء التلفزيونية أو قنوات التواصل. تعلمت استخدام الحاسوب لحاجتي إليه للكتابة، وبعد ذلك البريد الإلكتروني، واستخدام أجهزة الاتصال الذكية، وقنوات التواصل المختلفة، على قدر حاجتي إليها وانتفاعي بها.

ظلت بعض القنوات - التي لا أجد منها منفعة - بعيداً عن اطلاعي وإلمامي، رغم شهرتها مثل سناب وانستغرام وتيك توك. وظل استيائي دائماً من كثير من رسائل الواتس، وخصوصاً ما يحدث في معظم المجموعات التي تشكلت في كل لون وفن، لكن معظمها مليء بالقص واللزق، صور الصباحات والمساءات، والتكرار للرسائل والموضوعات، وكثرة الصور والمقاطع المحولة من سناب أو تويتر أو أنستغرام.

في مرحلة تجاهل سناب وأنستغرام وتيك توك، كانت تصيبني الدهشة من انشغال الجميع بتصوير كل شيء، وكل ما يرونه. عندما أذهب إلى مناسبة، أرى المدعوات يلتقطن الصور في كل ركن وزاوية، دون استئذان أصحاب الفرح أو المناسبة، حتى استجبت لإغراءات من حولي، وفتحت حساباً على سناب، ورأيت كيف تحولت حياة الجميع إلى صورة، في السفر والحضر، من الصباح إلى المساء، بعضها صور غير لائقة بالنشر ومشاهد وحوارات وكلمات غير صالحة للنشر بأي صورة.

شعرتُ في البداية أني أصبحت أتطفل على حياة الآخرين، وأصبحت أتابع سهراتهم وسفراتهم، حفلاتهم وزياراتهم، لمت نفسي لوماً شديداً وحذفت سناب، لم ينقصني شيء خلال الأشهر التي تخلصت فيها منه، لكن أشاهد المقاطع التي تصل للجميع على الواتس أو تويتر.

كل ما سبق لأصل بكم إلى الموضوع الأساسي الذي كتب عنه كثيرون، وانتقده كثيرون، لكن لا حياة لمن تنادي؛ سيطرت الصورة على حياتنا، لا تستطيع أن تستمتع في مناسبة وتشعر أنك في أمان، ومعظم الحضور حاملين هواتفهم يصورون أنفسهم، أو يتصورون مع الآخرين.

ذات مرة، كنتُ أحضر زفافاً في دبي، ومعي بعض الصديقات، جاءتنا اتصالات من جدة ممن شاهدوا صورنا في سناب، ونحن لا نعلم عنها! كيف ظهرنا، وبأي شكل؟!.

كنا في مناسبة، جمعت صديقات لا نعلم أن بعض الحاضرات ممسكات بهواتفهن يصورن كل تحركاتنا، حتى شاهدنا صورنا منشورة في مجموعات! كذلك تصوير الطعام والتقديم دون استئذان أصحاب المناسبة والحضور.

عندما نرغب في التقاط صور تذكارية نعلن عن ذلك، من ترغب تقف في كادر الصورة، ومن لا ترغب تجلس مكانها، لكن كل من في الصورة على علم بها، وجميعنا نعلم أنها ليست للنشر على أي قناة من قنوات التواصل.

قبل أيام كنت في النادي الرياضي، رأيت سيدة شابة تحمل هاتفها داخل السونا، لم أتخيل أنها تصور، حتى طلبت مني أن أجلس في مكان ما لأنها تصور، طلبت منها عدم التصوير.

لاحظت أنها لا تلبث في المكان سوى دقائق حتى تتم مهمة التصوير، ثم تنتقل إلى مكان آخر، دقائق! فقط أي أنها لا تمارس رياضة ولا تستفيد من مرافق المكان المعدة أساساً لفائدة المشتركات!.

في الأعراس والحفلات يمكن أن يحتفظ الإنسان بصورة جميلة، وهو في أبهى صورة، لكن في مكان مخصص للرياضة، لماذا هذا الإصرار على الصورة؟.

للأسف انشغلنا بسفاسف الأمور عن حياتنا، ومشاركة الآخرين الفرح والأحاديث حول أمورنا!.

تدخل إلى المطعم أو المقهى تفاجأ بالصمت الرابض على أنفاس المكان، الكل مشغول بالجهاز الذي بين يديه، منشغل بالعالم الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي!.

هل هذا الأمر حقيقي وطبيعي، أم أن عقلي تجمد وتوقف عن التجديد وتقبُّل المستجدات؟.

لا بل ما يحدث اندفاع جنوني لنشر تفاصيل الحياة، وكل حركاتهم وسكناتهم، ربما بعضهم عن وعي وإدراك بأن هذا باب رزق كبير! ليس الجميع بالتأكيد، ربما هي الرغبة في التواجد والتباهي بالأماكن والمناسبات؛ على حساب المتعة والذوق والأدب والأخلاق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store