Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

وأصبح فؤاد «أم موسى» فارغا

A A
في قصة سيدنا موسى عليه السلام، مشهد يصور معنى عميقًا لوجع الأم وحزنها على ابنها، عندما استجابت لأمر الله سبحانه وتعالى، وضعته في التابوت وألقته في اليم، رغم الوعد الذي وعدها إياه رب العالمين، إلا أن فؤادها أصبح فارغا!.

كلنا نمر بالآيات ونحفظ قصة سيدنا موسى كما نحفظ قصص الأنبياء من تكرار تلاوتنا لكتاب الله، لكن هل أدركنا معنى فراغ الفؤاد أو القلب؟.

هل تدرك الأمهات هذا المعنى الذي عانت منه أم موسى؟، فراغ القلب، حالة عامة تصيب الأمهات نتيجة الخوف على أبنائهن عندما يتعرضون لمرض عضال، أو حادث مثلا من الحوادث التي تحدث على الطرقات، فيمتلئ القلب بالحزن حتى لا يبقى فيه شيء من مباهج الدنيا وزينتها؛ فتشعر الأم بهذا المعنى الذي وصف به الله حزن أم موسى على فراق وليدها.

لا أحد منا يعلم متى يسوق له القدر خبرا أو أن وجعا عميقا يكمن قريبا ليباغت قلبه المنتشي قبل لحظة!.

لا أحد منا يعلم ماذا يختبئ خلف سويعات من يومه أو ليله، رغم أنه يدرك حجم المآسي والأحزان والآلام التي وصلت إلى من حوله، مع ذلك يأبى أن يغادر منصة الفرح، يقول في سره: «حوالينا ولا علينا»، لا يدرك أن ما أصاب الآخرين يمكن أن يصيبه في لحظة بشكل مباغت وأليم.

تلك هي الحياة، وأنت كزورق على موجها، تعلو مرة وتهبط مرات، ربما حتى القاع، تغرق في ظلمات بعضها فوق بعض، لا ترى بصيصا من نور، إلا نور القلب المفعم باليقين، بأن الله قادر على كل شيء، قادر على أن يمنحك طمأنينة تنتشلك من أحزانك، توقف دفق الألم الذي يندفع بقوة داخل كيانك كله.

كما يختلف البشر في صفاتهم، تختلف الأمهات في التعامل مع أحزانهم، منهن من تستطيع السيطرة على حزنها تمارسه بعيدا عن الأعين، تبدو قوية متماسكة، لكن فؤادها فارغ كفؤاد أم موسى، ومنهن من تتوحد مع أفراحها وأحزانها، أي أنها لا تضع قناعا محايدا على وجهها وسلوكها لتشعر من حولها أنها بخير، وأنها تملك زمام الصبر، لا تملك قوة لمحو علامات الحزن التي تُرسَم على وجهها، ولا تتمكن من انتشال صوتها الغارق في أنين البكاء.

أنتمي إلى النوع الثاني من الأمهات، حتى إذا سألني أحدهم عن حالي، تفصح دموعي المنهمرة عن وجعي مهما داريت وخبأت، من يهاتفني يكشف من صوتي حجم ألمي، ليست كل الآلام والأحزان قابلة للنشر والإعلان، كيف السبيل إلى الكتمان؟ إذا صمتُ عن الكلام، أفصحت دموعي وارتجاف صوتي عما يعتمل في صدري.

يحدث لي كما يحدث لكل البشر، يجرفني تيار الحياة في اندفاعاته، ويفيض القلب فرحا وسعادة بأحبتي، نجاحاتهم، سعادتهم، جمعات العائلة الأسبوعية، لقاءات الصديقات والأحبة، كل ما سبق يفتح قنوات الفرح في القلب، وتعصف بي رياح الخوف التي تسوق في سمائي سحب الحزن، وتمطر الألم على سديم القلب، عندما يباغتني رمح اخترق قلب أمومتي.

اعتدت البكاء على أحزان الأمهات، حتى لو قرأت خبرا في صحيفة، أو كنت أشاهد فيلما سينمائيا أو مسلسلا تلفزيونيا، ورأيت مشهدا محزنا لأم على فلذة كبدها، لا أستطيع أن أكبح جماح دموعي عن الانهمار بغزارة، وينتابني الخوف على ابني الوحيد وبناتي وأحفادي.. لكن لم أشعر بمعنى «فراغ قلب أم موسى»، إلا وأنا أمر بذات التجربة مع اختلاف التفاصيل، فراغ مغلف بالألم والحزن.

المكتوب ما منه مهرب، هكذا هي حياتنا تحت سماء الأقدار، تنهمر عليك الأفراح فتهزج، وتظن أن سماءك صافية، فجأة تهب عليك رياح الأحزان فلا تجد لك منها مهرب إلا بالدعاء، وكل ما يدفع عن أحبتك البلاء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store