Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

من العادات المكية في الحج

A A
من عاش مثلي حقب زمنية مختلفة، وعاصر زخم التقدم والتطور الهائل في كل أوجه الحياة، يشعر بالفرح والامتنان لجهود دولتنا الحبيبة ومؤسساتها المختلفة، وحكمة القيادة السياسية في كل حقبة زمنية، في الانتقال من طور إلى طور أكثر تقدماً على مستوى جودة الحياة، للمواطن والمقيم، وكل ما يخدم ضيوف الرحمن ويسهل عليهم أداء نسكهم في يسر وسهولة؛ رغم تزايد الأعداد على مر السنوات.

من عاش مثلي أيضاً في مكة المكرمة وعاصر -منذ الطفولة- عادات المجتمع المكي خلال أيام الحج، يدرك أن كثيراً من تلك العادات ناتج عن حاجة اجتماعية أو اقتصادية، كما يقول فليكس رايفايسون: «العادة حاجة وميل يخرج إلى الفعل من تلقاء ذاته»، والعادة هي: ميل إلى تكرار أفعال معينة، وفي المنطق نمط منطقي عبارة عن تكرار شيء واحد في صيغ مختلفة، وكأنها ترقٍ للفكر.

فالعادات المكية نشأت عن حاجة اجتماعية، ربما يبتكرها فرد أو أسرة، ثم يتم تداولها، وبذلك تصبح عادة يمارسها المجتمع عاما بعد عام، دون معرفة أول من فكر بها وطبقها. ويتميز المجتمع المكي بعاداته في كل مناسبة، حتى الاحتفالات بالمولود والزفاف، وبداية السنة الجديدة والمولد في شهر ربيع، والرجبية حيث الزيارة للمدينة المنورة، لا شك أن تلك العادات انتشرت في مدن المملكة، وأصبحت جزءاً من حياتهم الاجتماعية.

بعض تلك العادات مرتبطة بشهر الحج، لارتباط مكة المكرمة بالحج والحجيج من ضيوف الرحمن، وهي جزء من تاريخ مكة المكرمة، فالتاريخ عند بيكون: «معرفة الأمور الجزئية، والذاكرة آلة المعرفة»، لكن ما أورده في هذه المقالة نتاج خبرة شخصية من خلال تواجدي ضمن تلك الطقوس منذ الطفولة حتى اليوم، ومعرفتي بكل التطورات الحديثة التي أقصت عادة وأبقت أخرى مع خضوعها للتطوير.

كان النساء من الأهل والأقارب أو الجارات يجتمعن في منزل واحد للمساعدة في عمل المعمول، الذي تجهز عجينته وكل احتياجاته ربة المنزل مع بناتها وزوجات أبنائها منذ الصباح الباكر، حيث كانت الأسرة الممتدة تعيش في منزل واحد.

عمل المعمول ونقشه بمنقاش خاص حبة حبة، ربما يستغرق اليوم بكامله، ثم يأتي العاملون أو الأبناء الذكور لحمل الصواني الكبيرة التي تجلب من الفرن لخبزه وإعادته ورديا ناضجا، تملأ رائحته الذكية الأرجاء. يزود به من يذهب إلى الحج، كذلك هو أحد مكونات طعام إفطار النساء والأطفال وحلواهم خلال أيام الحج التي تسمى خليف، حيث يذهب الرجال والشباب إلى الحج، لخدمة ضيوف الرحمن أو التجارة أو الحج، وتغلق المخابز والبقالات، ولا يبقى إلا النساء والأطفال، حيث تخزن أطعمة تكفيهم أيام الحج.

ولذات السبب، أي تخلف النساء والأطفال، برزت الحاجة إلى حماية أنفسهم، ولردع من تسول له نفسه العبث معهم، فيخرجن مرتديات أزياء رجالية، وبعضهن يحملن العصي كنوع من تقمص الشخصيات اللاتي يمثلنها، يسرن في الشوارع الخالية دون خوف أو وجل، حتى يصلن إلى الفناء الذي يقام فيه القيس، حيث تنظم المغنية أو الدقاقة الاحتفالية برسوم دخول في متناول الجميع. هذه العادة انقرضت لانتفاء أسبابها التي أوجدتها، فعندما اختفت الظروف اختفت الحاجة إليها بعد أن تيسر الحج وأصبحت المدن عامرة بسكانها رجالاً ونساء، ورجال الأمن في كل مكان.

احتفالية «جوجو»، تقام في منى لمن يؤدي الحج لأول مرة من الأطفال أو النساء، فالاحتفالية تقام وسط النساء، ويتم الاستعداد لها قبل الحج، باصطحاب النقل والحلويات والعملة، معدنية أو فضية، وبعضهم يضع جنيهات ذهبية حسب المستوى الاقتصادي، ومكانة المحتفى به، فهي تنثر على المحتفى به من خلال قماش كبير يفرد فوقه، ويمسك من أطرافه، ثم تترك لتتساقط الحلوى والنقل والنقود على قماش نظيف مفروش على الأرض، ليجمع منه الصغار والكبار في جو من الحماس والمرح.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store