Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

معرفة الناس!

A A
يختلف الناس في طباعهم كما يختلفون في أشكالهم، ولذلك خلقهم الله سبحانه وتعالى كما قال في كتابه العزيز: «ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» 118 هود.

كذلك يختلف الناس في اختيار الأصدقاء والمعارف، وأحياناً تضعهم الأقدار والظروف في طريقك، هذا لا يعني أنك فقدت حقك في الاختيار، بل لديك كامل الحرية في طريقة تعاملك معهم ليكونوا معيناً لك على تقلبات الدهر ونوائبه، أو أنك تفقد تعاطفهم ومحبتهم، أو أن بعضهم يكون امتحانك في الدنيا، لأن الدنيا متقلبة المزاج، يوم تحت ويوم فوق، ترفع وتخفض، تحيطك بالفرح ثم تغرقك في الترح، ليس لها معيار، كما قال شوبنهاور الفيلسوف الألماني: «على الإنسان أن يدرك أن الحياة لم تخلق لنستمتع بها، بل لنتحملها، ونتخلص منها في النهاية»، أو أنها هي التي تتخلص من الإنسان الذي أنهكها، أو أنها أنهكته حتى أوصلته إلى بوابة النهاية!.

نمر في حياتنا بمنح كثيرة تنسينا جوهر الحياة، وأنها كالغانية اللعوب، تغرقك في المسرات وتشعرك بالأمان ثم تباغتك وأنت في قمة أفراحك بنصل ينغرس في صدر الفرح، فجأة تنطفئ أضواء البهجة حولك، وتتجاذبك أمواج الخوف والقلق، تمنع عنك رؤية الضوء في نهاية النفق.

في كل ما يمر به المرء في حياته من أفراح وأتراح، هو بحاجة إلى الآخرين، ناس، أهل، أصدقاء، معارف. في لحظات النجاح والفرح للتعبير عن فرحتهم، ومشاركته بالحضور أو التهنئة، والتبريكات والهدايا، التي أصبحت مظهراً من مظاهر التعبير عن مشاركة الفرحة والمساندة، والدعم النفسي والمادي.

في الترح يظهر معدن النفوس، وينجلي مقدار المحبة في نفوس من حولك، لذلك قالوا: معرفة الناس كنز لا يفنى.

من هم الناس الذين تمثل معرفتهم ذلك الكنز الذي لا يفنى؟، ما هي نوعية الناس القابلة للصرف، ومع هذا لا تفنى؟.

ما هو مجال وطريقة وأسلوب الصرف الذي توفره هذه المعرفة؟، أسئلة كثيرة يمكن أن تتناسل من رحم أقوال وأمثال ما زلنا متمسكين بها، لأنها في كثير من المواقف أثبتت مصداقيتها.

الناس الكنز لا يشبهون كنز الأساطير، ومغارة على بابا والأربعين حرامي، الذي تكدس فيها الغالي والنفيس من الأحجار الكريمة، والذهب والماس بكل الأشكال والأحجام؛ إلا في القيمة النفعية!.

لذلك تطلق بعض صفات الجواهر والمعادن على الناس، فمنهم جواهر لا تقدر بثمن، ومنهم مثل الماس أو الذهب، وقد درج الناس على بعض التشبيهات المجازية لبعض أصناف البشر كقولهم: «فلان كالجنيه الدهب»، بالمعنى الإيجابي، أما بالمعنى السلبي، قولهم: «فلان لا يساوي نكله»، وهي قطعة معدنية ليس لها قيمة حقيقية. أي أن الناس تشبه المعادن في علاقاتها ومواقفها، والإنسان في حياته يحتاج إلى الناس. قالوا: «جنة بلا ناس لا تنداس»، أو لا يمكن العيش فيها.

الناس الكنز؛ تشبيه مجازي.. لأنهم غير قابلين للصرف، ولا التداول، كالأوراق والعملات المعدنية، إلا من خلال دعمهم النفسي في المواقف والأزمات، والمآسي التي تعترض حياة الفرد.

هنا تظهر إرادة الإنسان وتوفيقه الذي تم بإرادة الله، في طريقة اختيار الأصدقاء والمعارف، دون نزعه مادية أو نفعية بأي صورة كانت.

يجب أن تكون المعرفة إنسانية خالصة، لم تلوثها المصالح الشخصية، ولا تشوبها مشاعر الحسد والكراهية والبغضاء، هنا تحصد ثمارها في كل موقف يمر بك، تتذوق بركة أدعيتهم، تشعر بأيديهم تربت على كتفك، تخفف ألمك، أو أن قلوبهم تفرح لفرحك، وتحزن لحزنك.

أختم بمقولة لا أعرف من قائلها، ربما تاه في دنياه لأنه لم يوفق في أخوة أو صداقة: «الناس ثلاثة؛ معرفة وصداقة وإخوان؛ الصداقة عزيزة، والأخ قلما وجد»، وأنا أقول: إنهم حولك، دقق النظر، وأحسن الاختيار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store