Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

ذاكرة الزمن الجميل

A A
كل منَّا تحمل ذاكرته تفاصيل كثيرة عن الحياة، منذ وعيه بما يدور حوله؛ فالذاكرة تلتقط من الأسرة والمجتمع صوراً كثيرة للحياة؛ في بساطتها وتطورها الذي يُرافق مراحل تقدُّم العمر بالإنسان، حيث يصبح أكثر وعياً وفهماً للحياة وتقلباتها، ولعلاقاته المتشابكة داخل الأسرة وخارجها، لكن ليس الجميع قادراً على صياغة تلك التفاصيل وإخراجها من الذاكرة، وبسطها على الورق بأسلوبٍ أدبي جميل، كما هي المذكرات القليلة لأدباء ومفكرين، ومن رجال السياسة والمال والأعمال والدبلوماسية، الذين تمكَّنوا من جمع تلك التفاصيل كتجربة حياتية أو عملية أو إبداعية؛ يُطلق عليها سيرة ذاتية، يمكن أن تُمثِّل نبراساً يضيء الطريق لآخرين. أذكر منهم: طه حسين «الأيام»، لطيفة الزيات «حملة تفتيش.. أوراق شخصية»، فدوى طوقان «رحلة جبلية»، أحمد أمين «حياتي»، جلال أمين «علمتني الحياة»، جبرا إبراهيم جبرا «البئر الأولى»، ومن أدبائنا ومفكرينا: غازي القصيبي «حياة في الإدارة»، عبدالله دحلان «أيام لا ككل الأيام».

أهم شروط السيرة الذاتية؛ الصراحة المطلقة، لذلك يتحرج الكثير من الأدباء والكتاب من كتابة سيرهم الذاتية، بعض الأدباء يسردها كنص روائي، لا يستطيع القارئ معرفة الحقيقة من الخيال، ولا يستطيع إسقاط أحداثها على الكاتب.

بالنسبة للمرأة الأمر صعب جداً، خصوصاً في مجتمعنا السعودي، وفي حقب زمنية كان اسم المرأة عورة وصوتها عورة، ذلك كان انعكاسه سلبياً على الأدب الروائي النسائي، منذ تمكن المرأة من الإبداع الشعري والقصصي، فجاءت معظم الأعمال ترتدي خماراً سميكاً أو شفافاً، إلا قلة من الروائيات السعوديات اللاتي استطعن الخروج من نفق الخصوصية المظلم إلى وهج التحرر من قيود الأسرة والمجتمع.

كتاب؛ «ذاكرة الزمن الجميل.. جدة التي أُحبها»، سيرة ذاتية بقلم ليلى النعمان علي رضا، أو أنه شبيه بالسيرة الذاتية، الكتاب جميل مكتوب بأسلوبٍ سلس، يشد القارئ من أولى صفحاته، يكشف للقارئ تفاصيل كثيرة لحقبةٍ زمنية ربما لم يشهدها، أو أنه لا يحفظ ملامحها. ليلى النعمان، سردت حياتها منذ خطبتها في لبنان، ووصولها جدة للعيش وسط أسرة تجارية كبيرة ومترابطة، لها تقاليدها الأسرية والاجتماعية والتجارية.

الكتاب من الحجم المتوسط، 156 صفحة، على أربعة أقسام: تعريف وتعارف، تحكي فيه عن كيلو خمسة، وبعض العبارات التحذيرية التي وُجّهت إليها بعد خطبتها: «مجنونة! تتركين لبنان لتنتقلي إلى الصحراء؟»، «ألا تعلمين أن الرجال هناك يتزوجون أكثر من امرأة؟»، «تريدين أن تعودي إلى حياة متخلّفة أكثر من حياة جدتك؟»، تقول: «كنت أبتسم وأهز رأسي، والكلمات تتطاير من أفواه الصديقات. كن جميعاً في حالة ذهول، حتى أبي الذي طالما أعلن أنه لن يقبل بزواج بناته خارج لبنان، ران عليه الصمت، سكون يعترف فيه بهزيمته أمام النصيب.. لأنني هذه المرة وبدون تفسير قلت نعم للزواج من شاب من السعودية، لا أعلم عنه شيئاً غير أن قلبي انفتح على مصراعيه حين قابلته أول مرة» ص9.

تقول أيضاً: «لم تكن عام 1958م صحراء قاحلة، ولكن مدينة صغيرة ساكنة ودافئة، واقعياً وإنسانياً». تصف المجمّع السكني المسوّر الذي تقطنه العائلة، ويقع في كيلو خمسة على طريق مكة، ثم أصبح السكان أهل كيلو خمسة.

تحكي عن أسرتها في لبنان، وضعهم الاقتصادي، وعلاقة أبويها التي ارتبطت بعلاقة حب، وإخوتها، وفي القسم الثاني بعنوان «وجوه وشخصيات»، تتحدَّث عن أفراد أسرة الزوج، الحاج حسين علي رضا، رحمة الله عليه؛ العم الكبير، الجدة، الخالة، ابنة العم الجميلة، الوالدة والدادات وخالة عابدية.

لم تذكر أسماء أفراد الأسرة، وهو أمر طبيعي لما تُمثِّله خصوصية الأسر والمجتمع في تلك الحقبة، حتى قبل سنوات قليلة، كان خروج أخبار الأسرة خارج جدار المنزل يدخل قائمة العيب والفضيحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store